مرت العلاقات الروسية الإيرانية بمراحل كثيرة عبر التاريخ، حيث يقول البروفيسور الروسي فلاديمير ساجين، إنه خلال 500 عام عرفت العلاقات الروسية الإيرانية كل شيء، شهدت حربين في القوقاز خلال القرن 18، و اتفاقية صداقة سوفيتية إيرانية عام 1921 تسمح بدخول القوات السوفيتية إلى إيران إذا جرى تهديد حدودها، ولذلك لم تقم الولاياتالمتحدةالأمريكية قاعدة عسكرية على الأراضي الإيرانية قبل الثورة. انضمت إيران 1958 إلى حلف بغداد المناهض للسوفييت، و في سيتنيات القرن الماضي بدأت العلاقات بالتحسن و أقام الاتحاد السوفيتي نحو 60 شركة في إيران، وأسهم في تأهيل كوادر عسكرية و متخصصين إيرانيين في مجالات مختلفة. كانت الثورة الإيرانية حذرة من المد الشيوعي، ولكن العلاقات أخذت في التحسن الطفيف خصوصاَ بعد وصول فلاديمير بوتين إلى السلطة، و منذ عام 2010 باشرت روسيا بناء مفاعل بوشهر النووي وراحت تحدث بعض سكك الحديد الإيراني، ولكن يجب أن لا ننسى بأن روسيا صوتت على قرارات مجلس الأمن ضد إيران و منعها من تطوير برنامجها النووي، وأوقف الرئيس مدفيديف عقوداً كانت روسياوإيران وقعتها عام 2007، لتسليم إيران نظام صواريخ أرض جو –إس 300، ومع ذلك فإن روسيا عارضت أي عمل عسكري ضد إيران. الأرضية المشتركة في العلاقات الإيرانية الروسية تطور العلاقات الإيرانية الروسية أكثر مما هي عليه اليوم أمر متوقع وسط ازدياد التوتر بين واشنطن وموسكو، ويرى مراقبون بأنه بالرغم من وجود اتفاقيات تعاون اقتصادية ضخمة بين البلدين إلا أن هذا لا ينفي صفة الضرورة عن هذا التحالف، خاصة في وقت تقود فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية دفة القرارات السياسية في العلاقات الدولية، مما يجعل طبيعة علاقة البلدين بالولاياتالمتحدةالأمريكية تحكم علاقاتهما أيضاً، و على مبدأ "عدو عدوي صديقي"، فروسيا تحاول استعادة دورها الكبير في معادلات التنافس الإقليمي والدولي واستعادة دورها في العالم كقطب ثاني ما يدفعها إلى التعامل مع الولاياتالمتحدة بصورة تحمل الكثير من الندية، أضف إلى ذلك فرض أمريكا وحلفائها الغربيين المزيد من العقوبات على روسيا بسبب أوكرانيا. موقف إيران من أمريكا خاصة في التاريخ الحديث فإنه يتسم بالكثير من العداء، فبعد انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، تم إغلاق السفارة الإسرائيلية في طهران، وأقيمت مكانها سفارة فلسطينية شهر مايو 1979، وأصبحت إيران الدولة الأولى التي تقيم سفارة لفلسطين على أراضيها، وهي مواقف عكست توجهات إيران ما بعد الثورة حيال أمريكا وحليفها الكيان الصهيوني في المنطقة، أضف إلى ذلك ضغط الولاياتالمتحدة الدائم والمستمر على إيران وفرض المزيد من العقوبات بحقها ورفض أي دور تستطيع لعبه في المنطقة، وهو ما شهده الجميع عند تشكيل الولاياتالمتحدة للتحالف الدولي بزعم محاربة داعش. وأسست هذه المواقف فيما بعد طبيعة علاقتها بالولاياتالمتحدة ومواقفها المتضادة معها في ملفات المنطقة كالملف الأفغاني والعراقي واللبناني ومؤخراً السوري الذي كان من أهم الملفات التي بلورت العلاقات الروسية الإيرانية، فالموقف الإيراني الروسي متطابق إزاء ما يحدث في سوريا، فدعم الرئيس السوري بشار الأسد منذ البداية، كشف عدم رغبة الطرفين بوجود شرق أوسط جديد وفق الرؤية الأمريكية يسيطر عليه أذناب يعترفون بتبعيتهم لأمريكا، و في نفس الوقت يؤرقون منام روسيا عبر الشيشان ومناطق القوقاز الشمالية، وهو ما سيؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي بالدرجة الأولى، ناهيك عن أن الأزمة في سوريا تشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي الإيراني والروسي على حدٍ سواء. العلاقات الإيرانية الروسية بعد الاتفاق النووي التوصل إلى اتفاق نووي يفتح الباب على مصراعيه أمام تطوير التعاون بين الطرفين الروسي والإيراني بشكل أكبر مما هو عليه الوضع الآن، فإيران تعدّ الشريك الثالث عسكرياً لروسيا، كما توجد بين البلدين صفقات ضخمة لشراء الصواريخ والدبابات وتقديم قطع الغيار والصيانة اللازمة لكل ما يمتلكه الجيش الإيراني من عتاد روسي الصنع، ووقعت إيرانوروسيا خلال الأسبوع الماضي مذكرة تفاهم اقتصادية تستهدف التعاون بمجال النفط والغاز والكهرباء وتقنية الاتصالات والمعلومات والشحن والنقل والمصارف والاستثمارات المالية، وذكرت وسائل الإعلام الإيرانية أن توقيع المذكرة جاء خلال زيارة وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك تلبية لدعوة وجهها رئيس اللجنة الاقتصادية الإيرانية الروسية محمود واعظي. وشملت المذكرة التعاون في مجال النفط والغاز وفي قطاع الكهرباء والماء والذي تضمن مشاريع عدة ومنها ربط شبكة الكهرباء العامة الإيرانية مع روسيا عبر جمهورية آذربيجان واستحداث محطات كهرومائية وحرارية، وأيضا التعاون في مجال الشحن والنقل بالإضافة إلى مجال الأمور المالية والمصرفية ولاسيما عضوية إيران في بنك آوراسيا وإنشاء مصرف مشترك إيراني روسي بجانب موضوع منح إيران خط ائتماني بقيمة 5 مليارات دولار والذي من المتوقع دفعه للعلاقات الاقتصادية ومشاريع البنى التحتية بين الجانبين، وعلى سبيل المصالح الاستراتيجية بين البلدين فإن روسيا تمتلك تكنولوجيا نووية تجعلها قادرة على تقديم مشاريع لبناء مفاعلات نووية في إيران، حيث تعدّ هذه المشاريع أهم مقومات الاقتصاد الروسي. انضمام إيران لمنظمة شنجهاي وفي ضوء العلاقات المتنامية بين البلدين، أعلن مساعد الرئيس الروسي لشؤون السياسة الخارجية يوري أوشاكوف أن مسألة انضمام إيران إلى منظمة شنغهاي للتعاون ستحل بعد رفع حظر مجلس الأمن عنها، وأضاف أنه فور رفع العقوبات "ستبدأ عملية استشارات نشطة بين الدول المشاركة في منظمة شنغهاي للتعاون وسيتم تحديد الجداول الزمنية لانضمام إيران حينها". وتتألف المنظمة حاليا من روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزيا وطاجكستان وأوزبكستان، بينما تملك كل من منغوليا والهند وإيران وباكستان وأفغانستان صفة مراقب فيها، وتشير معلومات إلى أنه يجري العمل على تغيير النظام الداخلي للمنظمة لجعل إيران والهند وباكستان يتمتعون بالعضوية الكاملة. قمة الدول المشاطئة لبحر قزوين تضم القمة خمس دول هي روسياوإيرانوأذربيجان وكازاخستان وتركمانستان، حيث اتفقوا خلال قمتها الأخيرة في سبتمبر الماضي على مجموعة قرارات أهمها، تقاسم ثروات البحر، وثانيها عدم السماح لأي قوة عسكرية لغير هذه الدول الخمس بالوجود عند شواطئ البحر، ويرى حقوقيون بأن هذه المنظمات كشنغهاي والقمم التي تعقد تسعى لكسر هيمنة أمريكا والغرب على العالم، عبر استحداث بدائل لمؤسساتهم التي تهيمن على مقدرات الشعوب كصندوق النقد الدولي والأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي وغيرها من المنظمات والأحلاف. مستقبل العلاقات الروسية الإيرانية وحول ما إذا كانت علاقة روسياوإيران علاقة مرحلية أم استراتيجية، يرى محللون بأن المصالح المتبادلة بين روسياوإيران، والتهديد المشترك سواء الإقليمي كداعش وباقي الجماعات الإرهابية، وهدف المشروع الأمريكي الخاص بمنع أي قوة إقليمية مثل إيران أن تكون صاحبة قدرة ونفوذ، ومنع أي قوة دولية مثل روسيا والصين من النهوض ومحاصرتهما، أضف إلى ذلك طبيعة العلاقات بين روسياوإيران ونشاطاتهم الاقتصادية ذات الطابع الاستراتيجي، حيث قال وزير الطاقة الروسي الكسندر نوفاك بعد زيارة رسمية لطهران إن "المشاريع طويلة الأمد تشمل قطاع الطاقة بما في ذلك بناء وتحديث محطات توليد الطاقة وبناء مجمع كهرباء بالإضافة إلى الاتصالات والفضاء والنقل وبناء البنية التحتية للسكك الحديدية"، وهي عوامل تجعل هذه العلاقة جدية وحقيقية واستراتيجية.