في ظل ما تشهده الأزمة الليبية من ضبابية بالمستقبل، لاسيما مع عدم توصل الأطراف الليبية إلى حل ينهى الصراع الدائم منذ أربعة أعوام، تسعى القاهرة إلى حشد المجتمع الدولي للضغط على الأطراف الليبية لوقف الفوضى، لاسيما وأنها تؤثر بشكل واسع على مصر أمنيًا، حيث أثرت حسابات السياسة وتقلباتها، والتغير في أنظمة الحكم والقادة في مسار العلاقات المصرية الليبية على مر التاريخ، فانتقلت من التقارب الشديد وحتى الوحدة، مرورًا بالتوتر وحتى الصراع، إلى صياغة علاقة بدت أسسها المصلحة والمنفعة المتبادلة خلال السنوات التي سبقت ثورتي يناير وفبراير في مصر وليبيا. كانت مصر من أوائل الدول التي تعاملت مع ليبيا رسميا بعد استقلالها في أوائل الخمسينات من القرن العشرين، وقد ساعدت ليبيا مصر في حرب أكتوبر 1973، التي أعقبها توترات بين البلدين بسبب اتفاقية كامب ديفيد، ونتج عن ذلك الحرب المصرية الليبية عام 1977، ومن ثم تم تعليق العلاقات لمدة 12 عاما، لكن عادت وتحسنت مرة أخرى عام 1989، ومع الرفع التدريجي للعقوبات عن ليبيا من قِبل الأممالمتحدة والولايات المتحدة في الفترة بين عامي 2003 و2008، حدث تطور كبير في العلاقات بين البلدين، وتم فتح مجالات للتعاون المشترك في صناعات النفط والغاز الطبيعي. وخلال الأربع سنوات الماضية، شهدت العلاقات تذبذبا كبيرًا بين الصعود والهبوط، ولا شك أن النظم الحاكمة في الدولتين، وخاصة قيادتيهما السياسية، كانت العامل المهم الأكبر في صعود وهبوط تلك العلاقات من فترة لأخرى، وما بين هذا وذاك خلفت الثورتان أوضاعا جديدة ربما أدت إلى مزيد من الطموح في التحول في العلاقات بين البلدين لمستوى العلاقات الاستراتيجية، وعزز هذا التطلع ما آلت إليه الأوضاع في كلا البلدين. وبعد وصول الإخوان للسلطة في مصر، ومشاركتهم في الحكم بليبيا شهدت العلاقات تحسنًا كبيرًا، حيث بدا التعاون بين البلدين في كافة المجالات بشكل ملحوظ، إلى أن وصل الأمر إلى الانقسام الحاد في ليبيا بين من يدعم الجماعة وميليشياتها العسكرية التي اشتركت في الثورة ضد القذافي، وبين من يرى أنه لابد أن تكون ليبيا تحت قيادة ليبرالية. طال هذا الانقسام جسد المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا والذي ضم جميع الأطياف التي شاركت في الثورة ضد القذافي، وهوما أفضى لحالة من فقدان الثقة في المجلس من بعض الشرائح الليبية، ومع انقضاء الفترة التي حددها المؤتمر الوطني العام الليبي لنفسه لإنجاز مهامه الدستورية أصبحت ليبيا في أزمة شرعية حقيقية، وكان من تبعات هذا الانقسام أن شهد الواقع الليبي المزيد من الاضطرابات وأعمال العنف وبخاصة بعد صراع الشرعيات بين المجلس الوطني الليبي المنتهية مدته، والبرلمان الليبي في طبرق الذي انتخب واعترف به المجتمع الدولي ولكن لم يعترف به المؤتمر الوطني الليبي في طرابلس، الأمر الذي أدى لتحول الصراع إلى معركة مسلحة بين الأطراف التي كانت متحالفة في السابق، تحت مسميين كبيرين هما عملية الكرامة بقيادة اللواء متقاعد خليفة حفتر، وأنصار عملية فجر ليبيا من كتائب وميلشيات وقبائل، وأنصار المؤتمر الوطني من القوى السياسية التابعة للإخوان. الموقف المصري كان واضحًا من هذا الانقسام بعد ثورة 30 يونيو، مدعمًا برلمان طبرق وعملية الكرامة بقيادة اللواء خليفة حفتر، على خلفية العداء الواضح بين النظام المصري وجماعة الإخوان واعتبارها تنظيمًا إرهابيًا، الأمر الذي صعب على الإدارة المصرية إقامة علاقات مع الجماعة في ليبيا، وهوما جاء في صالح الطرف الآخر وهوالبرلمان المنتخب حتى عام 2014، اتهمت واشنطن مصر والإمارات بشن غارات على مطار طرابلس لدعم قوات خليفة حفتر. في هذه الفترة دعت مصر المجتمع الدولي إلى تحرك لوضع حل سريع للأزمة الليبية، بعد انتشار تقارير تفيد بتدفق الإرهابين والمسلحين إلى مصر، وهوالأمر الذي ارتأت القاهرة أنه يهدد أمنها القومي، لاسيما وأن هذه الجماعات ستكون عامل دعم ونفوذ للمتطرفين في سيناء، لم تكن مصر وحدها في ذلك الوقت التي تدعوإلى تدخل دولي لحل الأزمة الليبية، إذ كثيرا ما لوّح وزيرا دفاع فرنسا وإيطاليا بحل عسكري، خصوصا بعد تصاعد الهجمات على مصافي وحقول النفط التي تديرها شركات الدولتين، وكذلك تصاعد وتيرة الهجرة غير الشرعية من السواحل الليبية إلى الدولتين على نحولم يسبق له مثيل. وقبل إعلان داعش إعدام 21 مسيحيًا مصريًا في درنة، كانت ثمة جهود مصرية في إطار مجموعة دول الجوار قد انطلقت لاحتواء الأزمة، بيد أن عدم التوافق مع بعض دول الجوار كان سيد الموقف، وهوما بدا من إدراك الجزائر لقوة الحركات الإسلامية في الداخل الليبي وضعف موقف حفتر، ومن ثم وجوب العمل على حل سياسي للأزمة، وهوذات الموقف الذي اتبعته الأممالمتحدة بإطلاق جولات حوار جنيف التي تمت منها جولتان في يناير الماضي، وكذلك لجنة الاتصال الدولية حول ليبيا، لكن بعد ذلك نفذ تنظيم داعش الإرهابي عملية ذبح المصريين، الأمر الذي سرع من العملية العسكرية المصرية، لكن غياب الرؤية الكاملة لدى القاهرة للأزمة أدى لعدم حسم الأمر تماما هناك.