في ظل الأزمات التي يمر بها الاقتصاد المصري وعجز الموازنة، تلجأ الحكومة إلى حلول سريعة لتوفير إيرادات، عن طريق فرض الضرائب على فئات وإعفاء فئات أخرى منها، في مخالفة للدستور الذي ينص على أن يهدف النظام الضريبي، وغيره من التكاليف العامة إلى تنمية موارد الدولة وتحقيق العدالة الاجتماعية والتنمية الاقتصادية، ويراعى في فرض الضرائب أن تكون متعددة المصادر، وتكون الضرائب على دخول الأفراد تصاعدية متعددة الشرائح وفقًا لقدراتهم التكليفية، ويكفل النظام الضريبي تشجيع الأنشطة الاقتصادية كثيفة العمالة وتحفيز دورها في التنمية الاقتصادية، والاجتماعية والثقافية. ولكن قرارات الحكومة في فرض الضرائب أكدت أن الفقراء هم من يدفعون الثمن من أجل توفير الإيرادات، وأن العدالة الاجتماعية غائبة من السياسات الحكومية التي تتبعها بإعفاء الأغنياء من الضرائب وفرضها علي الفقراء. وقال رائد سلامة، الخبير الاقتصادي: العدالة الاجتماعية مازالت غائبة عن سياسات مؤسسة الحكم في مصر، من البداية والعدالة الاجتماعية والفقراء غير مدرجين علي أولويات المؤسسة الحاكمة، حيث نسمع كلامًا معسولًا عن حماية الفقراء لكن الواقع يشهد عكس ذلك تمامًا، مشيرًا إلى تداول مصطلح غريب في الصحافة والإعلام، وهو أن الرئيس "يطالب" المسؤولين بحماية الفقراء والانحياز لهم، وهذا أمر لا يمكن فهمه علي الإطلاق، فما معنى أن "يطالب" رئيس الجمهورية الذي يملك حتى الآن السلطات كافة التنفيذية والتشريعية. وأضاف سلامة أن الأزمة تزداد حدة ولا يدفع ثمنها سوى الفقراء الصابرين من أبناء هذا الوطن، الذي مازالت ثرواته تهدر أو يساء استغلالها، ومازالت حكومته تدلل أغنياءه على حساب الفقراء، لم تطبق مؤسسة الحكم ضريبة معاملات البورصة، وها هي البورصة تشهد انهيارات متتالية بما يعني أن الضريبة لم تكن سبب الانهيار وها هي العملة في تدهور مستمر واحتياطي النقد الأجنبي يتناقص بشكل كبير جدًّا نتيجة للاستيراد وسداد أقساط بعض الديون، وها هو عجز الموازنة يستفحل والناتج القومي يتقلص وغلاء السلع والخدمات يطحن الفقراء، بينما وزير المالية يسعى لزيادة الضرائب على الفقراء، وهو ما تعكسه موازنة الدولة ويمارس أكبر خرق للدستور الذي يضرب به عرض الحائط يوميًّا، ولا يقدم مشروع قانون للضرائب التصاعدية التي وردت صراحة في الدستور. وأوضح الخبير الاقتصادي، أن الحل بسيط ويتمثل في حتمية فرض ضرائب تصاعدية، وإلغاء دعم المحروقات من المصانع كثيفة الاستهلاك للطاقة وإلغاء بند المكافآت والامتيازات المالية ورواتب المستشارين، التي تبلغ أرقامًا فلكية مع ضرورة ضم الصناديق الخاصة للموازنة، ووقف الاستيراد السفيه بفرض قائمة بضائع سوداء جديدة ممنوع استيرادها، بالإضافة للقائمة الحالية مع تشديد الرقابة الصارمة للحيلولة دون دخول هذه البضائع للبلاد حتى لا يتأثر مركز العملة الذي وصل لحدود بالغة الخطورة، ثم التخطيط العلمي الفوري لبناء منظومة تصنيع ثقيلة، مما يستدعي التركيز على توفير الطاقة من كهرباء وغاز وطاقة شمسية وطاقة رياح، مع البدء في برنامج تطوير للزراعة لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء، وهو ما قدمه خبير الزراعة الدولي الدكتور زكريا الحداد، لكن لم يعره أحد أي التفات. وأكد سلامة أن الوضع الاقتصادي الآن بالغ السوء؛ بسبب عدم تصدي مؤسسة الحكم للمشكلات الحقيقية وتحميل الفقراء الذين لا يجدون من يضغط لصالحهم، بينما جماعات الضغط الأخرى من البورجوازية الرثة ومن اللصوص وناهبي مال الشعب تضغط والحكومة تستجيب، موضحًا أن المدهش شكلًا لا موضوعًا، فالأمر معروف للخاصة، أن تجد وزراء هذه الحكومة التي يفترض أنها مؤقتة يروجون لمزيد من الاقتراض من الخارج، بما سيحمل المستقبل ثمن أخطاء الحاضر السيئ للغاية، فلابد من حكومة تشبه حكومة الحرب يوضع لها أهداف محددة في ضوء ما ذكرته، وإلَّا فإن الكارثة التي بدأت تدق الأبواب ستكون قاصمة. وأشار عادل عامر، مدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية، إلى أن مبدأ المساواة وعدم التمييز يعد حجر الزاوية في العدالة الاجتماعية، بل كثيرًا ما ينظر إلى العدالة الاجتماعية كمرادف للمساواة، لكن يجب الانتباه إلى أن العدالة الاجتماعية لا تعني المساواة الكاملة أو المطلقة، فمن الوارد أن تكون هناك فروق في الجهد المبذول في الأعمال المختلفة، أو فيما تتطلبه من مهارات أو تأهيل علمي أو خبرة، أو طبيعة الاحتجاجات. وقال عامر: الأمر المهم أن تكون هذه الفروق بين الناس في الدخل والثروة أو في غيرها مقبولة اجتماعيًّا، بمعنى أنها تتحدد وفق معايير بعيدة عن الاستغلال والظلم ومتوافق عليها اجتماعيًّا، والعدالة الاجتماعية تعني في الأساس المساواة في الحقوق والواجبات، والمساواة أو التكافؤ في الفرص، وتعني العدالة الاجتماعية التوزيع العادل للموارد والأعباء، من خلال نظم الأجور والدعم والتحويلات ودعم الخدمات العامة، خاصة الخدمات الصحية والتعليمية. وتابع: "يتحقق ذلك من خلال عدد من المحاور التي يتم من خلالها توزيع الدخل، وإعادة توزيعه داخل المجتمع، والمحور الأول لتحقيق هذا الهدف إصلاح هيكل الأجور والدخول، الذي يتم من خلاله تحديد المستوى المعيشي للعاملين بأجر، ويختص المحور الثاني بنظام الضرائب، الذي يعيد توزيع الدخول من خلال طريقة توزيع الأعباء الضريبية، وكلما تعددت الشرائح الضريبية واتخذت منحنى تصاعديًّا يتناسب مع المقدرة التكليفية للممولين، فإن النظام الضريبي يتمتع بدرجة أعلى من الكفاءة في تحسين الدخل وتحقيق العدالة الاجتماعية". وأوضح أن المحور الثالث يختص بالدعم السلعي والتحويلات ودعم الخدمات العامة، وهو إنفاق عام موجه إلى الفقراء ومحدودي الدخل وشرائح رئيسة من الطبقة الوسطى لإتاحة الرعاية الصحية والتعليمية لهم، وتوفير مصدر دخل للفئات الأشد فقرًا والعاطلين عن العمل، ويتعلق المحور الرابع بتمكين المواطنين من كسب عيشهم بكرامة، من خلال توفير فرص العمل لهم، مما يتيح لهم الحصول على حصة من الدخل القومي بصورة كريمة من عملهم وكدهم، سواء تم ذلك من خلال توفير فرص عمل حقيقية، وليس بطالة مقنعة لدى الدولة وقطاعها العام وجهازها الحكومي وهيئاتها الاقتصادية، أو من خلال تهيئة الحكومة البنية الاقتصادية، وتسهيل تأسيس الأعمال بكل أحجامها، بما يخلق فرص العمل في القطاع الخاص.