يخوض أبناء الشعب الفلسطيني حربًا شرسة ضد قوات الاحتلال الصهيوني عبر سلاح توافر لدى الجميع داخل الأراضي المحتلة، حتى أضحت السكين الفلسطينية اليوم رمزًا يُشعل حماس الجماهير الغاضبة، ويستقر في صدور المستوطنين الذين أطلقت شرطة الاحتلال أيديهم للعبث بممتلكات أبناء هذا الوطن المسلوب تحت حمايتها. لم يقتصر هذا العبث الصهيوني على الممتلكات المالية أو الزراعية، بل وصل إلى استهداف المواطنين الفلسطينيين والتنكيل بهم، ومن ثم يأتي دور شرطة الاحتلال كي تعتقل ذلك الشاب الذي تعرض لصور الانتهاكات كافة على أيدي هؤلاء المتطرفين. لقد أرغمت حرب السكاكين الفلسطينية قيادات الكيان الصهيوني على التراجع والانكسار أمام هذا السلاح البسيط، فالأجهزة الأمنية في تل أبيب ورغم ما تمتلكه من عتاد عسكري وتسليح عالي الدرجة، لم تستطع الصمود أمام موجة الغضب الفلسطينية التي تجتاح الأراضي المحتلة. ليست الدوائر الأمنية الصهيونية وحدها التي تشتكي من عجزها عن مواجهة تطورات المشهد على الساحة الفلسطينية، بل إن الدوائر السياسية في تل أبيب أيضًا تشهد حالة من الذعر والتخبط، وهو الأمر الذي دفع رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" إلى تجميد بعض المخططات التهويدية التي كان يجري تنفيذها داخل مدينة القدس، ولعل أبرزها مشروع "بيت الجوهر" غربي المسجد الأقصى. كانت الحجارة هي السلاح الأساسي والأكثر استخدامًا بين الفلسطينيين خلال الانتفاضة الأولى عام 1987 وهو ما جعلها تشتهر بانتفاضة الحجارة، لكن اليوم أصبح السلاح مختلفًا وأكثر تطورًا، فالسكين اليوم تفرض واقعًا جديدًا على الساحتين الفلسطينية والصهيونية على حد سواء، لا سيما بعدما أرهقت دوائر صنع القرار في تل أبيب، لذا ربما المصطلح الأنسب لما نعايشه اليوم من أحداث "انتفاضة السكاكين". تطور السلاح الشعبي الفلسطيني من الحجارة إلى السكين، ربما وحده أمر كفيل ليعكس مدى تزايد الانتهاكات الصهيونية التي يتم ممارستها بشكل يومي ضد أبناء الشعب الفلسطيني، فتطور السلاح المُستخدم يتناسب طرديًّا مع حدة الهجوم الذي يتعرض له المُعتَدى عليه، وكما انتهى الأمر في انتفاضة الحجارة بوجود واقع جديد على الساحة الفلسطينية نتفق أو نختلف معه، فإننا اليوم ننتظر ما سوف تُسفر عنه هذه الهبّة الشعبية التي تشهدها الأراضي المحتلة. موقف القيادة الفلسطينية الحاكمة في رام الله لا يُبشر بخير قادم، لاسيما وأنها تخلت عن تقديم أي شكل من أشكال الدعم لهذه الهبّة الشعبية، فضلًا عن أن الرئيس محمود عباس لا يتبنى الخيار العسكري في الدفاع عن فلسطين أو تحريرها، ولازال حتى يومنا هذا يتمسك بالنهج التفاوضي رغم فشله خلال السنوات الماضية. الفجوة بين خيار أبناء الشعب الفلسطيني وقيادته السياسية أصبحت عميقة، ولا يمكن معالجتها، خاصة بعد موقف قيادة رام الله الحاكمة من الأحداث الجارية في الأراضي المحتلة اليوم، فلم تكتفِ بعدم مساندة شعبها في انتفاضته، بل إن قنواتها التلفزيونية الرسمية منعت بث الأغاني الوطنية أو تغطية الهبّة الشعبية بشكل مباشر، كما أطلقت السلطة يد أجهزتها الأمنية لشن حملات اعتقالات واستدعاءات واسعة من أجل منع تصاعد وتيرة الأحداث، فضلًا عن ترويج قنواتها السياسية الخاصة إلى ما أسمته بمخاطر اندلاع انتفاضة ثالثة الآن. كل ما سبق يدعو لتساؤل منطقي؛ هل يستحق سراب نجاح الخيار التفاوضي مع الاحتلال التضحية بكل طموحات وآمال الشعب الفلسطيني؟ ليس هذا فحسب بل الوقوف بجانب العدو الصهيوني والتنسيق معه أمنيًّا لاستهداف أبناء وطنه الذين يتشبثون بالحرية؟ وكيف مازال عباس يتمسك بخيار الخضوع والاستكانة إلى الإملاءات الصهيونية رغم ما شاهده خلال السنوات الماضية؟.