ارتبط اندلاع الانتفاضتين الفلسطينيتين الأولى التي تعرف باسم انتفاضة الحجارة 1987، والثانية انتفاضة الأقصى 2000 بعدة أسباب رئيسية أشعلت الداخل الفلسطيني وتمددت لتشمل كافة الأراضي المحتلة، لذا يمكن تسمية هذه الأسباب ب "وقود الانتفاضة"، إننا نعيش اليوم في ذكرى الانتفاضة الثانية تزامنا مع هجمه شرسة ينفذها الاحتلال وقواته ضد المسجد الأقصى الذي كان اقتحام رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني السابق آرئيل شارون لأولى القبلتين أحد أبرز أسباب انطلاق شرارة الانتفاضة التي تمكنت من إصابة 13 جنديا صهيونيا خلال المواجهات داخل ساحات الأقصى في الساعات الأولى. خلال الأيام القليلة الماضية تكثفت انتهاكات الاحتلال الصهيوني ضد المسجد الأقصى، لاسيما وأن ذكرى انتفاضته تزامنت مع بعض الأعياد اليهودية، وهو الأمر الذي دفع الكثيرين إلى التساؤل عن إمكانية إندلاع شرارة انتفاضة ثالثة خلال الأيام الجارية يكون الأقصى سببها أيضا كما حدث عام 2000؟، ربما تكون الإجابة عن هذا التساؤل المطروح لا تحتاج إلى كثير من الجهد في التفكير، فالنفي أقرب منه إلى التوقع، خاصة وأن اندلاع الانتفاضة الثانية كان مرتبطا بعدة عوامل مختلفة ولم يكن اقتحام شارون للمسجد السبب الوحيد لإنطلاق شرارتها، ففي ذلك الوقت كان اليأس والإحباط يسود المستويات الفلسطينية كافة، سواء الدوائر السياسية الحاكمة بقيادة الراحل "ياسر عرفات" في ذلك الوقت، أو على المستوى الشعبي. الفارق بين الواقع الراهن الذي تحدث فيه الانتهاكات والاقتحامات الصهيونية اليوم، وبين عام 2000 لا يتجاوز 15 عاما طبقا لمقياس الزمن، لكن إذا ما نظرنا إلى الواقع الإستراتيجي عربيا وفلسطينيا، فإن تلك السنوات التي مضت حملت كثير من الأحداث التي تقف اليوم عائقا أمام اندلاع الانتفاضة الثالثة رغم تشابه الأحداث والظروف في كثير من الأحيان، ولعل أبرز هذه العوائق أن القيادة السياسية الحاكمة في فلسطين اليوم لم تتخذ قرارا فعليا بإطلاق شرارة الانتفاضة، بل تسعى جاهدة إلى كتم صوتها ومنع خروجه إلى العلن، ما يعني أن قرارات ورغبات القيادة السياسية لها اليد الطولى في تحقيق تطلعات الشعوب، لذا فإن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة سيتوقف على مدى استجابة القيادة السياسية مع الجوء العام السائد داخل الأراضي المحتلة. إذا ما تركنا رغبات وقرارات القيادة السياسية الحاكمة اليوم في الأراضي المحتلة، وانتقلنا إلى الواقع الملموس بالخريطة السياسية، فإن أبرز ما يمكن مشاهدته دون تدقيق أو مراجعة هو الانقسام الحاد بين الحركات والفصائل الفلسطينية التي يتبنى بعضها الخيار العسكري كسبيل لتحرير الأرض وطرد الاحتلال، وبين الذراع السياسي الذي ما زال يتشبث بطريق الدبلوماسية والتفاوض رغم فشله خلال العقود الماضية، فهذا التصادم العنيف يجعل أصحاب المصالح السياسية يتصدون لطموحات الشعب الذي لا يحلم سوى بالاستقلال والتخلص من الاحتلال ومضايقاته، لاسيما وأن أبناء هذا الشعب هم معايشة لتصرفات الاحتلال الوحشية. لقد أدركت قيادات الاحتلال الصهيوني منذ عام 2000 انعكسات ارتباط القيادة السياسية الحاكمة في فلسطين مع أبناء شعبها، لذا سعت منذ ذلك التوقيت إلى ضرب هذا الالتحام وتفكيك ترابط القيادة بشعبها عبر تغذية الخلافات وتعزيز الانقسامات ليس بين أبناء الشعب الفلسطيني ككل، بل بين أبناء الفصيل والحركة الواحدة، حتى أضحت الصورة بالقتامة التي نشاهدها اليوم، لذا خلاصة ما يمكن قوله أن اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة رهينة عدة متغيرات يجب توافرها أولا داخل الأراضي المحتلة على المستويين الشعبي والسياسي، وحتى يتوافر هذا الوقود اللازم لإشعال شرارة الانتفاضة ستبقى التطورات في المشهد الفلسطيني مؤجلة.