أصبح الخطر الذي يهدد مصر من حيث أمنها المائي والغذائي في حاجة ملحة إلى إعادة صياغة لرؤية مستقبلية لتنمية علاقاتها بدول حوض النيل؛ من أجل تحقيق المصالح المشتركة بينهت ولزيادة حصة مصر من مياه النيل؛ حتى يمكن تحقيق الأمن المائى والأمن الغذائى المصرى، ويتم ذلك من خلال التكامل الزراعى والتجارى بين مصر ودول إفريقيا بوجه عام ودول حوض النيل بوجه خاص، مثل إقامة المشروعات المشتركة فى مختلف المجالات، والتى يترتب عليها تحقيق المنافع المشتركة بينها من حيث تنمية الموارد الاقتصادية غير المستغلة، وبالتالى يمكن إحداث التنمية المستهدفة، والتى سوف تتحقق معها زيادة الروابط المصرية بدول إفريقيا وحوض النيل. ويحتل قطاع التجارة الخارجية مكانة متميزة بين الاقتصادات النامية؛ نظراً لأهميته فى توفير موارد النقد الأجنبى، من خلال عوائد الصادرات اللازمة لدفع عجلة التنمية الاقتصادية، والتى تعد هدفاً رئيسيًّا لمعظم الدول النامية، وخاصة مصر التي فقدت السيطرة على الميزان التجاري، وأصبحت تعاني من زيادة الواردات الزراعية، لذا فإن الانضمام إلى تعاون وتكامل اقتصادى قوي وتحسين شروط التجارة الخارجية فى ظل تزايد المنافسة التصديرية فى أسواق الدول المتقدمة ودول الإتحاد الأوروبى ربما قد يؤدى لزيادة فعالية التجارة البينية للدول المتعاونة، ومن هنا تظهر أهمية التكامل والتعاون الاقتصادى بين دول حوض النيل (السودان، إثيوبيا، الكنغو الديمقراطية، أوغندا، كينيا، مصر، روندا، بوروندى، تنزانيا، إريتريا)، من خلال زيادة فعالية التجارة البينية بين هذه الدول خاصة. وأكد الدكتور على إبراهيم، خبير التنمية الزراعية، من خلال دراسة قام بها بعنوان "إمكانات التكامل الزراعى والحيوانى والسمكى فى دول حوض النيل" ضرورة إعادة تقسيم مياه النيل بين الدول الأعضاء بما يتلاءم وعدد سكان كل دولة، حيث يلاحظ أن متوسط نصيب الفرد من المياه فى مصر منخفض، حيث بلغ حوالى 669 م3/السنة بالمقارنة بدولة كالكونغو الديمقراطية، حيث بلغ حوالى 19470 م3/السنة، مع مراعاة انخفاض معدل سقوط الأمطار فى مصر، مقارنة بباقى الدول، حيث إن المناخ فى الجزء الشمالي من مصر والسودان قاري، ولا تتعدى نسبة هطول الأمطار فى مصر 15 مليمتر/السنة. أما باقى هذه الدول فجوُّها رطب ومعتدل، ومعدل هطول الأمطار السنوية في الكونغو الديمقراطية حوالى 1245 مليمتر/السنة. وأشار "إبراهيم" خلال دراسته إلى أهمية الاستثمار فى مجال أشجار الغابات الموجودة بدول حوض النيل، حيث إن الكونغو الديمقراطية والسودان وتنزانيا بها حوالى 157.5، و72.1، و37.9 مليون هكتار، تمثل حوالى 54.1 ، و24.7 ، و13% من إجمالى مساحة الغابات بدول حوض النيل على الترتيب، بجانب تنمية الاستثمار الزراعي في محاصيل الأرز والذرة في كل من تنزانياوكينيا، والقمح والشعير والقطن وقصب السكر في كل من أوغنداوكينياوالكونغو الديموقرطية وإثيوبيا والمحاصيل الزيتية والقطن فى كل من إثيوبيا والسودان وتنزانياوكينياوأوغندا، حيث تبلغ الفجوة الغذائية في مصر حوالى 50%، وفي دول حوض النيل حوالى 26.5%، خاصة فى ظل وفرة المياه والأراضى الزراعية القابلة للزراعة، والتي لا تستغل منها أكثر من 10% فقط. ولفتت الدراسة إلى ضرورة التعاون والتكامل في مجال الإنتاج السمكي مع جمهوريات الكونغو الديمقراطية وكينياوتنزانياوأوغندا، حيث بلغ الإنتاج السمكى من المصايد الطبيعية حوالى 236، و133.3، و325.5، و450 ألف طن، فى حين بلغ الإنتاج من المياه الداخلية حوالى 230، و126.3، و281.7، و450 ألف طن، وبلغ الإنتاج من المصايد البحرية حوالى 6، و7، و43.8ألف طن، أما الإنتاج من الاستزراع السمكى فبلغ حوالى 3، و4.5، و0.5، و52.3 ألف طنبهذه الدول على الترتيب، والاستهلاك السمكي بلغ المتاح منه حوالى 341.9، و134.5، و217.5، و477.3 ألف طن لهذه الدول على الترتيب، فيما بلغ متوسط نصيب الفرد لهذه الدول حوالى 6.26، و5، و9، 10 كجم/السنة لهذه الدول. وأكدت الدراسة ضرورة العمل على الاستفادة من مياه الأمطار التى تسقط على المنابع، حيث بلغت حوالى 1200 – 1600 مليار م3/السنة، ويبلغ نصيب مصر والسودان منها حوالى 84 مليارًا فقط بنسبة 5 – 7%، والاستفادة من فائض الاستهلاك من مياه النيل، والبالغ حوالى 1661 مليار م3/السنة، والإنتهاء من مشروع قناة جونجلي التي تضمن لمصر والسودان أكثر من 10 مليارات م3/السنة من المياه. كما أكدت أهمية تنمية الاستثمار الزراعي في مجال الثروة الحيوانية مع دول حوض النيل، لسد الفجوة التي تعاني منها مصر من اللحوم الحمراء، حيث بلغت أعداد الأبقار حوالى 50.9، و41.6، و18 مليون رأس ل إثيوبيا والسودان وتنزانيا على الترتيب، فى حين بلغت أعداد الجمال حوالى 4.5، و2.4، و0.95 مليون رأس في السودان وإثيوبيا وكينيا على الترتيب، وبلغت أعداد الأغنام حوالى 51.6، و26 مليون رأس في السودان وإثيوبيا على الترتيب، خاصة فى ظل وفرة المراعي الطبيعية بها، بجانب تنشيط التجارة الخارجية والزراعية مع تلك الدول، حيث بلغ مؤشر تماثل الصادرات فى كل من إريتريا وروندا والكونغووكينيا والسودان حوالى 60.65%، و53.61%، و34.92 ، و24.76%، و23.6% على الترتيب. وهذا يدل على وجود تشابه بين الهياكل الإنتاجية لمصر وهذه الدول، أى أن الهيكل الإنتاجى أكثر تنافساً وليس تكاملاً، ووفقًا لمؤشر التوافق التجارى بين الصادرات الزراعية المصرية والواردات الزراعية من دول حوض النيل فإنه بلغ حوالى 0.948؛ مما يعنى أن هناك توافقاً تجاريًّا بين الصادرات الزراعية المصرية والواردات الزراعية من دول حوض النيل، أى أن دول حوض النيل تعتبر سوقاً مناسباً للمنتجات الزراعية المصرية، مما يعنى احتمال تحويل في التجارة، بحيث تحل المنتجات الزراعية المصرية محل المنتجات الزراعية التى تستوردها دول حوض النيل من العالم بدرجة أكبر من احتمال أن تحل المنتجات الزراعية من دول حوض النيل محل المنتجات الزراعية التى تستوردها مصر من العالم، أى أن دول حوض النيل تعتبر سوقاً مناسباً للواردات الزراعية المصرية. وأشارت الدراسة إلى ضرورة بحث المفاوضات بأسرع شكل ممكن؛ لزيادة حصة مصر من مياه النيل، خاصة بعدما أقامت كوريا والصين بالتعاون مع الهند والبرازيل 6 مصانع لإنتاج الوقود الحيوي في دول حوض النيل (السودان، إثيوبيا، تنزانيا، كينيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية). واستأجرت الدولتان حوالى 20 مليون فدان من دول حوض النيل؛ لزراعة محاصيل الوقود الحيوي؛ مما سيؤثر على حصة مصر من مياه النيل. هذا بجانب استئجار الدول العربية البترولية 6 ملايين فدان للزراعة في دول حوض النيل بعيداً عن التعاون مع مصر.