"الدولار غير موجود.. والحال واقف"، لسان حال صغار المستوردين بمصر، بعدما شهد الدولار طفرة كبيرة فى السعر ليصل إلى سقف 8 جنيهات في السوق السوداء، وحاليًّا أصبح العثور عليه مهمة صعبة، في ظل ظاهرة الدولرة، وهي استبدال العملات المحلية بالدولار لإدخاره، حتى اختفى من السوق، ومن ثم وصل الجنيه المصري لأدنى مستوياته منذ عقود، مما ينذر بموجة غلاء وتضخم تهدد حياة محدودي الدخل. وقالت صحيفة فاينانشال تايمز البريطانية في تقرير لها إن المستوردين في مصر يعانون من ضغوط نقص العملة وتداعيات الإجراءات التي يطبقها البنك المركزي لمكافحة السوق السوداء. ورأت الصحيفة، في التقرير المنشور بعنوان "مشكلات العملة تعوق الاقتصاد المصري"، أن البلاد نجحت بصعوبة في تحجيم نشاط السوق الموازية للدولار، ولكن سياساتها فرضت ضغوطًا على أنشطة اقتصادية جعلتها تساهم في التباطؤ الاقتصادي. وأشارت إلى تأجيل شركات كبرى في مصر لمخططاتها التوسعية؛ بسبب نقص العملة الصعبة. وسمح البنك المركزي، في يناير الماضي، بهبوط سعر الجنيه أمام الدولار إلى مستوى 7.53 جنيهات، بعد أن ثبته لما يزيد على ستة أشهر عند مستوى 7.14 جنيهات، بينما سمح بعد ذلك بتوسيع هامش بيع وشراء الدولار بالبنوك في نطاق أعلى أو أقل من السعر الرسمي بما يصل إلى 10 قروش، مع إضافة 5 قروش فوق ذلك بالنسبة لمكاتب الصرافة. وفي يوليو الماضي سمح بانخفاض جديد بقيمة 20 قرشاً في سعر الجنيه؛ ليصل إلى مستوى 7.73 أمام الدولار، وأبقى عليه عند هذا المستوى حتى الآن. ويبلغ سعر الجنيه أمام الدولار في البنوك حاليًّا 7.90 للبيع، و7.83 للشراء، فيما بلغ 8 جنيهات بالسوق السوداء، ويتوقع أن يحافظ على قيمته لنهاية العام الجاري. وأوضحت الصحيفة البريطانية أن الحكومة طبقت حزمة إجراءات لمواجهة تداعيات ضعف تدفق النقد الأجنبي بعد ثورة 25 يناير، شملت تقييد خروج رؤوس الأموال وضخ دولارات في الاقتصاد للحفاظ على قيمة الجنيه، بالإضافة لتطبيق نظام المناقصات الدورية؛ لإتاحة العملة الأمريكية للبنوك التجارية، ووضع سقف على الودائع الدولارية في القطاع المصرفي. وقال الدكتور خالد عبد الفتاح، أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة عين شمس، إن نقص العملة الأجنبية من السوق المصرى بسبب اتجاه الحكومة الحالية لإنفاق غير استثمارى، بجانب توجهها لاستيراد السلع غير الضرورية، والاعتماد على تنفيذ مطالب البنك الدولى. وتوقع عبد الفتاح استمرار انخفاض الجنيه أمام الدولار فى حال استمرار الدولة في الإنفاق على المشاريع الاستهلاكية وافتقار المشاريع الإنتاجية التى تعتبر عصب نمو الاقتصاد فى الدول المتقدمة، واصفًا ذلك ب "كارثة تهدد الاقتصاد". وطالب عبد الفتاح الرئيس السيسى بضرورة تشجيع المنتج المحلى، وتحديد حجم الاستثمار الخارجى، بجانب تجميع أموال شركات السيارات والبدء فى صنعها محليًّا خلال 3 سنوات؛ لتعافى الاقتصاد المصرى. وأرجع الدكتور صلاح العمروسي، الخبير الاقتصادي والباحث بمركز البحوث العربية، انخفاض سعر الجنيه المصري إلى ارتفاع سعر الدولار وزيادة الدين العام وانخفاض الصادرات والاستثمار ونقص العملة الأجنبية، مما أدى في المقام الأخير إلى التأثير على القوة الشرائية للجنيه، وأثر بالسلب على حياة الشعب، وتحديدًا الشرائح الفقيرة. وأكد العمروسى أن الجنيه المصري سيظل في القاع ما دمنا نستنزفه فى شراء واردات استهلاكية وغير ضرورية، مشددًا على أنه من المفترض أن توفر العملة الصعبة لشراء المواد الخام، ومن ثم تتجه الدولة إلى الفكر الإنتاجي فى مختلف القطاعات، لتصبح لدينا وفرة في الإنتاج، تمكننا من زيادة الصادرات وتخفيض شراء الواردات غير الضرورية.