مستقبل وطن: زيادة تحويلات المصريين بالخارج تؤكد نجاح الإصلاحات الاقتصادية    الحرية المصري: تكافل وكرامة نجح بفضل آليات الاستهداف الدقيقة والتطوير المستمر بقواعد البيانات    سعر الريال القطرى اليوم الأثنين 12-5-2025..آخر تحديث    النواب يعترضون على كلمة مؤسس اتحاد مستأجري مصر.. الجعار يستخدم آية قرآنية ويستشهد بالمادة الثانية من الدستور    الهند تعيد فتح 32 مطارا بعد وقف إطلاق النار مع باكستان    وزارة الداخلية المصرية ترسل شحنات ملابس شرطية إلى الصومال    الوصل الإماراتي يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي مع ميلوييفيتش (خاص)    بمشاركة منتخب مصر.. الكشف عن الشعار الرسمي لكأس العالم للناشئين    كرة سلة - مصر في المجموعة الثانية بتصفيات كأس العالم للسيدات 3×3    نشوب حريق في محصول قمح بالمنوفية    تأجيل إعادة إجراءات محاكمة متهمين بأحداث شغب السلام لغدًا    رفض إستئناف متهم بالإنضمام لجماعة ارهابية ببولاق الدكرور    تفاصيل تأمين «الثانوية العامة»| زيادة أفراد التفتيش أمام اللجان والعصا الإلكترونية    فيلم الجرح لسلوى الكوني يمثل جناح المغرب بمهرجان كان السينمائي الدولي    نقابة الأطباء تحتفل ب"يوم الطبيب المصري".. وتكرم المتميزين في مختلف التخصصات الطبية.. "عميرة": نسعى للنهوض بالخدمات الصحية المقدمة للمواطنين    غياب تام لمنتخب مصر.. كاف يعلن التشكيل المثالي لمجموعات بطولة أمم أفريقيا للشباب    فان دايك: أنا ومحمد صلاح كنا في موقف أرنولد.. وعلى الجميع أن يحترم قراره    الكرملين: بوتين حدد موقفه بشكل واضح بشأن استئناف المفاوضات مع أوكرانيا    تفاصيل الحملة القومية الأولى ضد مرض الحمى القلاعية وحمى الوادى المتصدعة أسوان    منظمة الصحة العالمية تطلق تقرير حالة التمريض في العالم لعام 2025    جدل في واشنطن حول نية ترامب قبول طائرة فاخرة هدية من قطر    أشرف العربى إطلاق تقرير "حالة التنمية في مصر" 18 مايو بشراكة مع "الإسكوا"    موعد تسليم دفعة جديدة من وحدات مشروع جنة بالقاهرة الجديدة    رسميًّا.. 30 فرصة عمل في شركة مقاولات بالسعودية -تفاصيل    حبس متهم بإدارة كيان تعليمي وهمي للنصب على المواطنين بالجيزة    تأجيل محاكمة عاطل بتهمة قتل سيدة فى القناطر الخيرية للخميس المقبل    عاجل.. الأرصاد تحذر من موجة حارة جديدة في هذا الموعد    وزير التعليم العالي يعلن سياسات تنفيذ إطلاق الجامعات المتخصصة لدعم رؤية مصر 2030 ومتطلبات الثورة الصناعية الخامسة    وزير الأوقاف: شيخ الأزهر الإمام الشيخ حسن العطار شخصية مصرية جديرة بعشرات الدراسات    إعلام عبرى: قوات من الجيش ودبابات وناقلات جند تمركزت قرب نقطة تسليم عيدان    الجمهور يفاجئ صناع سيكو سيكو بعد 40 ليلة عرض.. تعرف على السبب    أحمد زايد: تطوير الأداء بمكتبة الإسكندرية لمواكبة تحديات الذكاء الاصطناعى    ب9 عروض مجانية.. «ثقافة الشرقية» تستضيف المهرجان الإقليمي الختامي لشرائح المسرح    موعد وقفة عرفة 2025.. فضل صيامها والأعمال والأدعية المستحبة بها    العراق يتسلم رئاسة القمة العربية التنموية الاقتصادية والاجتماعية من لبنان    فانتازي.. ارتفاع سعر لاعب مانشستر سيتي    استمرار حملة "تأمين شامل لجيل آمن" للتعريف بالمنظومة الصحية الجديدة بأسوان    مجلس الوزراء يستعرض جهود الدولة لتوطين صناعة الدواء.. مصر تخطو بثبات نحو الاكتفاء الذاتي من الدواء وتصدر لأكثر من 147 دولة.. 180 مستحضرًا و129 مادة فعالة.. وتحقيق وفر بمئات الملايين.. إنفو جراف    سقوط المتهم بالنصب على راغبي السفر ب«عقود وهمية»    في اليوم العالمي للتمريض.. من هي فلورنس نايتنجيل؟    توافق على تسهيل دخول اللبنانيين إلى الكويت وعودة الكويتيين للبنان    مصروفات كلية الطب البشري بالجامعات الخاصة والأهلية 2025-2026    عاجل- رئيس الوزراء يتابع ملفات الاتصالات.. ومبادرة "الرواد الرقميون" في صدارة المشهد    الشروط والحالات المستفادة.. موعد صرف معاشات تكافل وكرامة مايو 2025 بالزيادة    هل يجوز للحامل والمرضع أداء فريضة الحج؟    سهير رمزي: بوسي شلبي جالها عرسان ورفضت بسبب محمود عبدالعزيز    جامعة المنيا: الكشف على 570 مواطنًا بالقافلة المتكاملة فى قرية بني خيار    براتب يصل ل 500 دينار.. 45 فرصة عمل بالأردن في شركات زراعية وغذائية وصناعات خشبية (قدم الآن)    محافظ أسيوط: توفير 706 فرصة عمل لشباب الخريجين بمراكز المحافظة    لماذا يرتدي الحجاج "إزار ورداء" ولا يلبسون المخيط؟.. د. أحمد الرخ يجيب    إنبي: ننتظر نهاية الموسم لحساب نسبة مشاركة حمدي مع الزمالك.. وتواصل غير رسمي من الأهلي    انطلاق فعاليات الدورة التدريبية الرابعة بجامعة القاهرة لأئمة وواعظات الأوقاف    البنك الأهلي يرغب في ضم كريم نيدفيد    ما حكم الأضحية إذا تبين حملها؟.. الأزهر يوضح    أكبر صندوق سيادي بالعالم يسحب استثماراته من شركة إسرائيلية بسبب المستوطنات    ما شروط وجوب الحج؟.. مركز الأزهر للفتوى يوضح    المجلس الوطني الفلسطيني: قرار الاحتلال استئناف تسوية الأراضي في الضفة يرسخ الاستعمار    3 أبراج «مكفيين نفسهم».. منظمون يجيدون التخطيط و«بيصرفوا بعقل»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



جهاد محمود عبد المبدي: الأمم المتحدة وسياسة الكيل بمكيالين
نشر في البديل يوم 19 - 09 - 2015

ليس صحيحاً ما قد يبدو لأول وهلة من أن الأمم المتحدة تعمل جاهدة على منع وإزالة جميع الأسباب التي تؤدي إلى الإخلال بالسلم والأمن الدوليين وقمع أعمال العدوان والحيلولة دون استخدام القوة في غير حالات الدفاع الشرعي، وأنها تطبق أحكام القانون الدولي ومبادئ العدل والإنصاف والمساواة بين الدول فيما يثار بينها من منازعات.
الواقع يشهد ويقر بوجود تواطؤ كبير من قبل الأمم المتحدة مع الدول الكبرى وفي مقدمتهم حاملة لواء الدعوة إلى الحرية والديموقراطية الزائفة الولايات المتحدة الأمريكية التي تمارس ضغوطاً هائلة عليها لإجبارها على إصدار القرارات التي تخدم أهدافها وتحافظ على مصالحها لاسيما إذا ارتبطت هذه القرارات بإحدى الدول العربية أو الإسلامية.
وبالرجوع إلى ذكرة التاريخ خلال ما يربو على نصف قرن من الزمن سنجد تواطؤ وخضوع وتبعية الأمم المتحدة لبريطانيا، عندما أحالت إليها الأخيرة القضية الفلسطينية لتضع لها الحلول الملائمة لإنهاء الصراع العربي الصهيوني بما يخدم آمال وتطلعات اليهود، وقامت بريطانيا في تلك الآونة بممارسة الضغوط على الأمم المتحدة لاتخاذ قرار بتقسيم فلسطين إلى دولتين دولة فلسطينية ودولة يهودية، وفي الجانب الآخر مارست أيضا الولايات المتحدة الأمريكية كماً هائلاً من الضغوط على الأمم المتحدة، خاصة عندما طُرح قرار التقسيم للتصويت عليه أمام الجمعية العامة في 26 نوفمبر 1947م، ولم يبلغ النصاب ثلثي الأصوات لإنفاذ وتمرير قرار التقسيم، حيث وقف مندوب الولايات المتحدة الأمريكية مطالباً بتأجيل التصويت لبعد عيد الشكر بغية كسب مزيد من الوقت لتأمين الأصوات المطلوبة، وبالرغم من المعارضة العربية لهذا الطلب إلا أن رئيس الجمعية العامة أبى إلا التأجيل والاستجابة لمطالب المندوب الأمريكي.
وفي سبيل ذلك قام الثالوث الأمريكي والصهيوني والبريطاني بحملة شرسة استخدمت فيها كل الحيل والوسائل غير المشروعة لكسب مزيد من الأصوات المؤيدة لقرار التقسيم عن طريق إجبار الدول على العدول عن موقفها من الرفض إلى القبول، ولأجل تحقيق تلك الغاية فقد تم استخدام ما لا حصر له من الأساليب الخبيثة كاستخدام الولايات المتحدة الأمريكية مشاريع المساعدات الأمريكية المعروضة على الكونجرس لتبديل موقف الفلبين وهاييتي من الرفض إلى القبول، حيث تعرضت الفلبين لضغوط شديدة وتدخل رئيس جمهوريتها فأمر مندوبه بالموافقة على قرار التقسيم، واستخدم رجل الأعمال الأمريكي "روبرت ناثان" نفوذه الاقتصادي لشراء صوت جواتيمالا، وهددت شركة "فايرستون" ليبيريا اقتصادياً إن لم تتحول من الامتناع إلى التأييد.
تم تسخير سكرتير عام الأمم المتحدة للوقوف بكامل قوته مع أبناء صهيون، وكان له دوراً مؤثراً في دعم المطالب الصهيونية، حيث أخفى كل ما سلمه له الوفد الفلسطيني من وثائق ومستندات تدعم المطالب الفلسطينية، وأظهر فقط الوثائق والمستندات التي تدعم الأطماع الصهيونية، وعلى إثر اللجوء لهذه الوسائل الخبيثة تم تقرير مصير أطهر بقاع العالم ومنح العدو الصهيوني الحق في إقامة دولته المزعومة على الثرى الفلسطيني.
وإذا كان قرار التقسيم المشئوم باطلاً بطلاناً مطلقاً نظراً لمخالفته لمبادئ وأحكام القانون الدولي، إلا أننا نجد الجمعية العامة للأمم المتحدة قد خالفت مبادئ وأحكام القانون الدولي مخالفة جسيمة نتيجة لتواطئها الفاضح مع بعض القوى العظمى، ولهذا فإن الجمعية العامة غير مختصة بإصدار قرار التقسيم لأن اختصاصها يقتصر على إصدار التوصيات غير الملزمة، إذ ليس من بين اختصاصها سلطة اتخاذ القرارات في المسائل القانونية والسياسية وفقاً لما نص عليه ميثاق الأمم المتحدة.
خالفت أيضا واحداً من أهم المبادئ الدولية الآمرة التي استقر عليها فقه القانون الدولي وهو حق الشعوب في تقرير المصير، والغريب في الأمر أن الجمعية العامة أصدرت العديد من القرارات التي تلزم وتؤكد على حق الشعوب في تقرير مصيرها والتي خالفتها بإصدار قرار التقسيم إرضاءً للدول الكبرى، وبالرجوع كذلك إلى ذاكرة التاريخ خلال ما يربو على عقدين من الزمن سنجد فتيل المؤامرة لازال متقداً، ولكن هذه المرة ضد العراق الذي رآه الكثيرون خطراً داهماً يهدد التوازنات الدقيقة في المنطقة ويهدد مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وأمن واستقرار حليفها الاستراتيجي الأول الكيان الصهيوني، خاصة بعد خروجه غير منهزم من حربه الطويلة ضد إيران.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية تترقب الفرصة السانحة للإطاحة بالعراق، وأخذت تروج وتبث العديد من الافتراءات والادعاءات المضللة الخادعة، ومن بينها حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل ومساندة الخلايا والمنظمات الإرهابية التي تهدد السلم والأمن الدوليين، وبعد غزو العراق للكويت استطاعت الولايات المتحدة الأمريكية إجبار الأمم المتحدة على إصدار القرارات التي تدين العراق وتتهمه بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وقد تمت الاستجابة للمطالب الأمريكية التي جاء على إثرها إصدار مجلس الأمن للعديد من القرارات المتضمنة فرض عقوبات اقتصادية ومقاطعة مالية وتجارية وعسكرية وفرض حصار بحري على العراق لسحقه سياسياً واقتصادياً.
أصدر مجلس الأمن قراره رقم (687) لتشكيل لجنة تحقيق دولية لتقصي الحقائق في مدى صحة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل من عدمه، وبالرغم من استمرار لجان التحقيق في مزاولة عملها في العراق لأكثر من عقد من الزمن وتأكيدها على خلو العراق من هذه الأسلحة المزعومة، إلا أنه في تلك الآونة كانت القوات العسكرية الأمريكية توجه بعض الضربات الجوية للعراق على مرأى ومسمع من الأمم المتحدة التي لم يتحرك لها أي ساكن.
ضغطت الولايات المتحدة بالضغط على مجلس الأمن لإصدار القرار رقم (1441) الذي صاغته الإدارة الأمريكية، وقد علق عليه رئيس فرق التفتيش الدولية "هانز بليكس" قائلاً: "إن ما ورد فيه قد أوقف الشعيرات القليلة الباقية من رأسي وكأني أقرأ وثيقة لوزارة الدفاع الأمريكية بدلاً من نص صاغته الأمم المتحدة". تلا ذلك نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في 16/10/2002م في استصدار قرار بالأغلبية من الكونجرس الأمريكي بمجلسيه الشيوخ والنواب، يطلق يد الرئيس الأمريكي في شن الحرب على العراق من دون التقيد بصدور قرار بذلك من مجلس الأمن، وبالفعل قامت الولايات المتحدة ببدء الحرب ضد العراق في 19/3/2003م من دون غطاء من الشرعية الدولية، وتشكلت قوة عسكرية من كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وبولندا، وأشعلت فتيل الحرب ودمرت حضارة تمتد جذورها التاريخية لأعماق سحيقة، وارتكبت من الجرائم الإنسانية ما تستحي أن تفعله الحيوانات الضارية مع بعضها البعض في عالم الغاب، وارتكبت من الجرائم الدولية ما يصعب حصره والوقوف عليه، ضاربةً بأحكام ومبادئ القانون الدولي والاتفاقات والمواثيق الدولية وفي مقدمتها ميثاق الأمم المتحدة عرض الحائط، من دون أن توجه لها الأمم المتحدة أية اتهام، لأنها لا تتعامل إلا بمبدأ سياسة الكيل بمكيالين والازدواجية في المعايير عند تناول الملفات والقضايا الدولية بما يخدم مصالح وأهداف الدول الكبرى التي تخضع لتبعيتها وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكن التدليل على ذلك أيضا بالملف النووي لكوريا الشمالية التي تعترف جهاراً بامتلاكها للأسلحة النووية، وفي المقابل نرى الأمم المتحدة تغض الطرف عن هذا الأمر، ونرى كذلك الولايات المتحدة الأمريكية تعترف وتقر بوجود السلاح النووي الكوري كأمر واقع لا مفر منه، وتعلن بأن سياسة التصعيد لن تجدي نفعاً لاحتواء تلك الأزمة، أما العراق الذي ثبت خلوه من أسلحة الدمار الشامل فلا يتم التعامل معه إلا من منطلق العداء وضرورة التخلص منه حفاظاً على المصالح الأمريكية في المنطقة العربية.
وفي ذات الاتجاه نجد الأمم المتحدة تغض الطرف أيضا عن البرنامج النووي الإسرائيلي، وترفض استخدام سياسة الضغط على الكيان الصهيوني للانضمام لمعاهدة حظر الانتشار النووي، أو الرقابة والتفتيش على برنامجه النووي غير السلمي، لأن الأمم المتحدة كما سبق وأن ذكرنا لا تتعامل إلا بمبدأ سياسة الكيل بمكيالين، ولهذا يمكن القول إنه بعد زوال القطبية الثنائية أصبحت الأمم المتحدة تؤدي دوراً هشاً وهزيلاً في المجتمع الدولي خاصة جهاز مجلس الأمن الذي غلبت عليه صفة الازدواجية في المعايير، وأصبح خاضعاً لإرادة ومشيئة الولايات المتحدة الأمريكية، وتحول لأداة تطوعها الأخيرة للحفاظ والإبقاء على مصالحها، من خلال استخدامه كمحلل لإضفاء الشرعية الدولية على القضايا ذات الصلة بمصالحها (خاصة في النزاعات العربية) والتي تتناقض تماماً مع قواعد القانون الدولي وأحكام ميثاق الأمم المتحدة، ليس هذا فحسب بل أصبحت قواعد القانون الدولي في تلك الحقبة الزمنية بسبب هيمنة الدول الكبرى لا تعبر عن العدل والحق والإنصاف وإنما هي في الغالب تعبير عن الأفكار والمصالح وتوازنات القوى، بحيث أصبح القانون الدولي هو في أحسن حالاته خادماً للدول المتفردة بالقوة والهيمنة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.