سنون طوال يقضيها المواطن المصري في التعلم منذ السادسة من عمره والآن من الرابعة حتى الحادية والعشرين، مفعمًا بالآمال بأنه من سيغير مسار هذا البلد إلى ما فيه السعادة والرفاهية لبني شعبه الفقراء، بالطبع كل طالب من هؤلاء يمر بالمرحلة الفارقة بالنسبة له ولأهله الثانوية العامة، ويصرف الأهل كل ما هو غالٍ ونفيس من أجل الزعيم القادم للبلاد، وبالفعل يذاكر ويحفظ ويدخل الكلية التي اختارها وما هو بمخير. 4 سنوات على الأقل إن كان في تجارة أو إحدى الكليات النظرية يمضيها الطالب مجتهدًا بدافع الوصول إلى الغد المزهر الذي ينتظره، ساعيًا للحصول على أعلى تقدير ييسر له العمل في مجال دراسته الذي وهب له حياته، وليقدم جميع خبراته التي استفاد بها في تلك السنوات، وبالفعل يستطيع النجاح بالتقدير المطلوب ويحتفل الأهل بالنجاح الباهر الذي حققه ابنهم المجتهد. يجلس الشاب حديث التخرج أمام شاشة حاسوبه يرسل الC.V الخاص به إلى مختلف الشركات والمصالح التي ستحتاج إلى خبراته الدراسية وهباته العلمية والكورسات التي حصل عليها، ويضغط زر الإرسال، منتظرًا العروض التي ستنهال عليه فور ضغطه لهذا الزر، ينتظر وينتظر ثم ينتظر، وما من رد. يدخل الشاب في مرحلة من الإحباط والملل، بعدما يأس من إجابة رسائله، هبط سقف طموحاته من العمل في الحكومة إلى الاتجاه للشركات الخاصة، هبط السقف ثانية فبحث عن عمل بأجر غير الذي كان يأمله، هبط ثالثة فترك مجال دراسته وبحث عن مجال آخر. مساء الخير يا افندم، فلان مع حضرتك، إيه المشكلة اللي أقدر أساعدك فيها؛ هذا هو العمل الجديد الذي وجده الشاب بعد تلك السنوات التي أضاعها في تعليم لا يعلم، وتحت نظام جعل شابًّا مليئًا بالطاقة والحيوية والنضال والمثابرة قعيدًا أمام شاشة كمبيوتر وسماعة على أذنه تكاد تصيبه بالصمم والبله من الأسئلة التافهة التي ترد عليه كل دقيقة. هذا هو حال كل شاب الآن يطمح لمجرد العيش والعمل حتى لا يصبح عالة على أهله، كل الشباب يعملون الآن في مراكز خدمة العملاء، كلهم يعمل كفرد أمن يقف أمام إحدى الشركات لمدة 12 ساعة، بدلًا من استغلال هذه الطاقات المهولة في إنشاء المصانع وتشغيلها، وحفر الآبار وري المزروعات واستصلاح الأراضي الصحراوية وجعلها جنة الله في الأرض، يجلس يشرب كوب الشاي مع سندوتش الجبنة على كرسي كأن جده هو الجالس وليس شابًّا في الثانية والعشرين، بدلًا من أن يرسل إلى بلد خرجت بعلم أو اختراع جديد يتعلمه ويأتي بهذا العلم ليفيد به هذا البلد البليد. هكذا سعت الأنظمة المتتالية في بلدنا ومازالت تسعى لقتل كل ما يجعل هذه الدولة شبابًا، شبابًا في الإبداع وشبابًا في العمل وشبابًا في الطاقة وشبابًا في الاقتصاد والسياسة، النظام جعل من كل شيء في هذه الدولة عجوزًا عقيمًا لا ينبت زرعًا ولا يخرج ذرية. يا دولة العواجيز اعملوا أنتم في مراكز خدمة العملاء واعملوا كأفراد أمن، واعطوا الفرصة لهؤلاء الشباب كي يريكم كيف يزرع أرضًا ويحصد ثمرًا، كي يريكم كيف يصنع دولة لا تحتاج إلى من يسندها حتى تستطيع السير، دولة لا تحتاج عكازًا ولا لأربع عجلات كي تحركها.