كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن قرب عودة العلاقات المصرية السورية، لاسيما وأن القاهرة تتبني توجه مختلف نسبيًا عن دول الخليج العربي، وبعد إجراء وزير الخارجية السوري وليد المعلم أول حوار مع قناة مصرية بعد الأزمة السورية، ومع تداول تقارير تتحدث عن زيارة وفد أمني سوري إلى القاهرة وزيارة رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك، باتت مؤشرات ومعطيات تلوح في الأفق بأن العلاقات بين مصر وسوريا أخذت منعطفًا آخر غير الذي فرضته ساحة إستاد القاهرة إبان حكم الرئيس المعزول محمد مرسي عندما أعلن قطع العلاقات الدبلوماسية ونادى بالجهاد نحو سوريا لإسقاط النظام. وتوّجت هذه المؤشرات والتي توالت في الآونة الأخيرة، بكشف جريدة الأخبار اللبنانية القريبة من النظام السوري عن زيارة قام بها رئيس مكتب الأمن القومي السوري اللواء علي مملوك للعاصمة المصرية في أواخر شهر أغسطس الماضي، التقى فيها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وعدداً من كبار المسؤولين في الجيش والاستخبارات والأمن في مصر، وذلك بحسب ما ذكرته مصادر لبنانية قالت إن الزيارة «كانت ناجحة جداً»، وإن الطرفين «راضيان عن نتائجها». وتعتبر هذه الخطوة بحسب مراقبون «تتويجا» لما تحدث عنه وزير الخارجية السوري وليد المعلم خلال لقاء تلفزيوني معه، ونشر على محطة النهار الفضائية كاشًفا فيه عن وجود تواصل سياسي وتعاون أمني مصري سوري يسير على قدم وساق، وألمح إلى احتمال وصول مبعوث مصري قريبا إلى العاصمة السورية. وكشفت المصادر للصحيفة اللبنانية أن المملوك بحث مع المسئولين المصريين آفاق الحل السياسي في سوريا والمبادرات المطروحة وخطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا والمساعي لعقد «موسكو 3»، وجرى التوافق على «ضرورة أن تلعب مصر دوراً أكبر في الشأن السوري لما تشكله سوريا من عمق استراتيجي للأمن القومي المصري، وبحسب المصادر، فقد سمع مملوك من المسئولين المصريين تأكيدات بأن القاهرة ترى أن الحلّ للأزمة السورية لا يمكن إلا أن يكون سياسياً، وأنها «تعتبر أن البلدين يواجهان عدواً مشتركاً يتمثّل في جماعة الاخوان المسلمين (وضمناً تركيا) التي تشكّل خطراً على مصر أكبر مما تشكله على سوريا». وكان الرئيس السوري بشار الأسد أشار في لقاء مع قناة "المنار" اللبنانية، يوم 25 أغسطس، إلى أن العلاقات بين سوريا ومصر تحققان التوازن في الساحة العربية، كما أن سوريا تجد نفسها في خندق واحد مع الجيش والشعب المصريين في مواجهة الإرهاب. وتتزامن هذه التغيرات في العلاقات المصرية السورية مع إقدام دول عربية أخرى على خطوات انفتاحية تجاه سوريا، خاصة تونس التي أعلنت مؤخراً إعادة العلاقات الدبلوماسية مع دمشق، ووصفت قطع العلاقات بأنه "إجراء غير صائب"، وأن مصلحة تونس تقتضي وجود تمثيل قنصلي في دمشق رغم احترام قرار جامعة الدول العربية. وفي هذا الإطار قالت المصادر إنه تم الاتفاق خلال الزيارة على إعادة تفعيل العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وصولاً الى إعادة تبادل السفراء قريبا، وأشارت مصادر الى أن القاهرة تستعد لتسمية الدبلوماسي أحمد حلمي، الذي كان في طاقم سفارتها في بيروت، قنصلاً عاماً مصرياً في سوريا. ولم تكن زيارة مملوك للقاهرة المؤشر الوحيد على قرب عودة العلاقات السورية المصرية ، بل سُجّل أيضا الانفتاح الإعلامي المصري على دمشق والذي تمثّل في زيارة وفد أعلامي كبير، للعاصمة السورية مشهدًا جديدًا لم نراه طيلة ال4 سنوات الماضية عمر الأزمة السورية ، حيث التقى الوفد عدداً من المسؤولين وجال على بعض المحافظات السورية. فضلًا عن كل ذلك فزيارة المملوك للقاهرة ، جاءت بعد زيارته إلى السعودية، التي التقى فيها ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، بهدف البحث عن مخرج للأزمة السورية، وتحدثت تقارير استخباراتية عن حل دبلوماسي، يقضي بتشكيل حكومة توافق وطني تشمل جميع الأطياف، ومنح صلاحيات لرئيس الحكومة وتقليل صلاحيات الرئيس السوري ، الأمر الذي ينظر إليه محللون أنه لم يخرج عن رغبة سورية واسعة بمشاركة مصر بدور فعال وكبير في حل الأزمة السورية.