بعد وقع العديد من حالات الانتهاكات علنًا في الفترة الأخيرة من قِبَل وزارة الداخلية ضد المواطنين، تحاول الوزارة تجميل صورتها أمام الرأي العام، ولا سيما أن هذه الانتهاكات لم تقع كلها أثناء تظاهرات؛ كالتي اعتادها المواطن من الشرطة، ولا أثناء القبض على أحد مثلًا كما يحدث دائمًا، لكنها كانت دون داع أو أسباب واضحة، مثل واقعة اعتداء عدد من أفراد الشرطة على أحد المواطنين بمحطة مترو دار السلام بالضرب والسحل. وعلى الرغم من أن اللواء أبو بكر عبد الكريم، مساعد وزير الداخلية للإعلام وحقوق الإنسان، كان قد أعلن في تصريحات سابقة عن إحالة الواقعة برمتها لقطاع التفتيش والرقابة، بناء على توجيهات وزير الداخلية، مؤكدًا أن وزارة الداخلية لا تتستر على أي خطأ أو تجاوز، وفي حالة أي خروج على القانون يتم إحالة الأمر للنيابة العامة، والخطأ والتجاوز غير مقبول، وأنهم حريصون على حسن العلاقات مع المواطنين، وغير مقبول الاعتداء عليهم. لكن الواقعة تكررت بعدها بأيام، حيث اعتدى بعض الضباط على سيدتين أثناء حملة إشغالات بمنطقة حدائق القبة، بالضرب والسحل والاعتداءات اللفظية، ولجأت الداخلية إلى إجراء شكلي غير مؤثر، بإحالة الضباط للتفتيش، وهو ما فعلته أيضًا في الحادثة الأولى دون جدوى. وفي الوقت الذي تحاول فيه الداخلية استرضاء الرأي العام برفضها الانتهاكات، في حين أنها مستمرة داخل أماكن الاحتجاز بالأقسام والسجون دون رادع، فقد ظهر خلال هذا العام العديد من مقاطع الفيديو التي يظهر فيها تعرض بعض الأشخاص للتعذيب داخل أقسام الشرطة، حيث شهد قسم المطرية العديد من حالات الوفاة نتيجة التعذيب من قِبَل الضباط، مثل المحامي كريم حمدي، بحسب تحقيقات النيابة، التي قررت حالة المتهمين إلى المحاكمة الجنائية. كما شهد القسم نفسه وفاة محامٍ يدعى أحمد العطار بعد احتجازه داخل القسم بتهمة الانضمام لجماعة الإخوان المسلمين. فيما طالب مركز الحقانية للمحاماة والقانون وزارة الداخلية بالتحقيق في الانتهاكات التي تم الكشف عنها في زيارة وفد المجلس القومي لحقوق الإنسان لسجن الأبعادية بدمنهور، حيث أكد المركز أن السجن شهد حالات تعذيب حتى الموت على مدى سنوات مضت، وكذلك تكدس العنابر وضعف التهوية والجزاءات التأديبية التعسفية والحبس الانفرادي، بالإضافة لانعدام أي معايير حقيقة للرعاية الطبية والاعتماد على مفتش الصحة وتقاريره تفتقر إلى المعايير المهنية. بالإضافة إلى بيان أهالي سجناء العقرب، الذين أكدوا تعرض ذويهم للتعذيب البدني والنفسي داخل أماكن الاحتجاز، جاء هذا ردًّا على تقرير المجلس القومي لحقوق الإنسان التي تتنافى مع شهادات أهالي السجناء. وكشف تقرير للمجلس القومي لحقوق الإنسان السنوي، عن الانتهاكات التي تمارَس ضد المحتجزين في مراكز الاحتجاز، فقد توفى عشرات الموجودين رهن التحقيق في مراكز الاحتجاز وأقسام الشرطة، مشيرًا إلى أن وزارة الداخلية نفسها أعلنت في 24 نوفمبر عام 2014، أن عدد الضحايا 36، إلَّا أن أرقام جماعات حقوق الإنسان رجحت أن الرقم ضعف ما أعلن من قِبَل وزارة الداخلية. وعن هذا قال عبد الغفار شكر، نائب رئيس المجلس القومي لحقوق الإنسان، أنه منذ قيام ثورة 25 يناير طالب الكثيرون بإعادة هيكلة وزارة الداخلية، وأن تخضع ضباطها وأفراداها إلى قوانين المحاسبة لكن تجاهل هذا المطلب جعل أداء وزارة الداخلية كما نراه اليوم، مطلب الهيكلة كان لتحسين العلاقة بين أفراد الأمن والمواطنين، التي كانت قد تحسنت نسبيًّا في فترة من الفترات، لكنها عادت مرة أخرى لتسوء. وأضاف شكر أن التصرفات التي يطلقون عليها فردية هي في الأساس نتاج الدراسة داخل أكاديمية الشرطة بنفس العقيدة القديمة، مؤكدًا أن العالم يتطور وعلى الداخلية أن تطور من أدائها لاستخدام الوسائل الحديثة في الاستدلال على العترافات دون التعذيب الذي قد يصل إلى حد الموت أحيانًا. في سياق متصل قال مختار منير، الحقوقي بمؤسسة حرية الفكر والتعبير: إذا استمر نسب كل التصرفات السيئة للداخلية إلى الفردية، فعلينا بإغلاق وزارة الداخلية وإنشاء أخرى جديدة خالية من التصرفات الفردية التى بلغت المدى، وتساءل: لماذا لم يتم الإعلان عن التحقيقات والبلاغات التي تقدم بسبب وقائع التعذيب المتعددة في أماكن الاحتجاز، لماذا لم يعلن عن مصائر الضباط المتورطين في مقتل المدنيين في أماكن الاحتجاز مثلما حدث مع المحامى كريم حمدي وإخفاء مصير ضباط أمن الدولة الذين عذبوه؟ أسئلة كثيرة تجلعنا نذهب إلى طريق واحد وهو "إعادة هيكلة وزارة الداخلية". وأضاف منير أن هيكلة وزارة الداخلية أصبح مهمًّا لتحسين علاقات المواطنين بالداخلية، غير ذلك فأعتقد أن الانتهاكات ستتزايد؛ لأن عقيدة الداخلية التي تربوا عليها منذ عشرات السنوات لم تتغير حتى الآن، مطالبًا بضرورة عرض نتائج التحقيقات، وخصوصًا بعدما تم تجريم تبادل المعلومات بصدد قانون مكافحة الإرهاب.