أوضاعًا مأساوية وحياة أصبحت على المحك في عرض البحر بالحدود وسط الصحراء، صعوبات ومخاطر يمر بها إنسان هاربًا من وطأة الأوضاع التي يعيش فيها في بلاده، معتبرًا حياته على الأرض مرتبطة بأن يسلك طريقا لا يعرف مستقبله ونهايته، نظير بصيص من الأمل في أن يبدأ حياة جديدة حاملًا شعار « أن يأكلني الحوت أفضل من الموت جوعًا في بلدي». باتت قضية المهاجرين غير الشرعيين إلى الدول الأوروبية، تؤرق دول العالم أجمع ، فلم تعد قاصرة على الهجرة غير الشرعية من دول عربية وأفريقية إلى أوروبا، والتي تمثلت في هجرة مواطني الدول الأفريقية عبر سواحل كل من ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا إلى إيطاليا وأسبانيا، إنما امتدت إلى توافد الآلاف من المهاجرين عبر الحدود بين صربيا والمجر في سباق مع الزمن لدخول دول الاتحاد الأوروبي قبل الانتهاء من بناء السياج المعدني (السور الشائك) لغلق الطرق المؤدية إلى الاتحاد الأوروبي يوم 31 أغسطس الحالي. وعلى مدار الأعوام الأخيرة نرى من حين لآخر أخبار تتحدث عن غرق مهاجرين غير شرعيين "عرب"، حاولوا الهروب من جحيم الوطن العربي إلى دول أوروبا، كان آخر هذه الأخبار المؤسفة هو غرق 200 شخص من المهاجرين غير الشرعيين، كانوا على متن قارب مكتظ يحمل 400 مهاجر بزوارة. وفي حادث مأساوي ثان، عثرت السلطات النمساوية يوم الخميس على أكثر من سبعين جثة في شاحنة براد على طريق سريع قرب الحدود مع المجر، ورجحت أن يكون الضحايا من السوريين، واعتقل الأمن النمساوي ثلاثة بلغاريين وأفغانيا داخل الشاحنة للاشتباه بهم في المسؤولية عن تهريب هؤلاء ووفاتهم اختناقا. ويأتي ذلك فيما يتواصل يوميا تدفق آلاف اللاجئين على اليونان ومنها يعبرون إلى مقدونيا وصربيا ثم إلى المجر لينطلقوا منها نحو بلدان غنية في غرب أوروبا على غرار ألمانيا والسويد والنرويج، ودفعت أزمة المهاجرين بقمة دول غرب البلقان إلى قلب جدول أعمالها، حيث تطرقت فيه كل من صربيا ومقدونيا والاتحاد الأوروبي إلى التحرك لمواجهة هذه الأزمة الانسانية. ومن الواضح أن عملية تهريب المهاجرين بات يتاجر بها، ليس فقط عبر المحيط، إنما أيضاً عبر الطرق السريعة في أوروبا، هؤلاء الأشخاص ليس لديهم أي اعتبار لحياة الإنسان، الناس يموتون في شاحنات، وفي زوارق عند الحدود الأوروبية، المهاجرون معظمهم من اللاجئين الذين فرّوا من الحرب أو صعوبة المعيشة في بلادهم. تدفق أعداد كبيرة من المهاجرين وضع دول أوروبا أمام انتقادات للسماح لهم بالمرور، وسط نشر الصور المروعة التي تداولتها أغلب وكالات الأنباء خلال اليومين الماضيين لمأساة غرق المئات قبالة الساحل الليبي واختناق العشرات في حافلة مجرية، إلا أن دول أوروبا لم تهتم بالمهاجرين ومصيرهم، والقرار هو الإسراع بفرض إجراءات سياسية لتشديد قوانين الهجرة، وأمنية لمنع المهاجرين من عبور الحدود بأي ثمن، بدلا من البحث في إستراتيجية اكثر شمولا للازمة. و وتشمل الإجراءات نشر قوات الجيش والشرطة على الحدود وفرض عقوبات أشد على العبور غير القانوني للحدود، وتسمح التعديلات بطرد المهاجرين الذين يخالفون القوانين الجديدة ويبدأ سريانها في حالة الموافقة عليها في منتصف سبتمبر. وفي بريطانيا تعرف الحكومة حالة من القلق بعد أن أظهرت احصائية صادمة ان عدد من دخلوا البلاد خلال العام الماضي فاق من غادروها بأكثر من ثلاثمئة الف، وأعلنت الحكومة عزمها خفض هذا الرقم إلى مكانه التقليدي في خانة عشرات الآلاف، ما يعني فرض اجراءات أمنية صارمة على الحدود، وتعديلات تسمح بترحيل بعض طالبي اللجوء، وخفض المساعدات التقليدية التي يحصلون عليها. تتعالى أصوات في مختلف أركان أوروبا تقريبا، وبعد ستة وعشرين عاماً من سقوط الستار الحديدي، بالعزل والترحيل الجماعي وبناء جدران وأسوار جديدة، وفي مختلف أنحاء أوروبا تتفشى مشاعر العنصرية والكراهية تجاه المهاجرين، وتعتبر دولًا أوروبية ن قضية الهجرة تجاوزت الابعاد الأمنية والاقتصادية على أهميتها، وأصبحت تشكل «مسألة هوية» ما ادى الى الهجمات العنصرية غير المسبوقة ضد المهاجرين في القسم الغربي من البلاد، وكذلك استهداف مساجد ومراكز دينية. ودعا الرئيس الألماني يوآخيم جاوك الألمان إلى تعريف جديد لمصطلح الأمة والقومية بعيدًا عن العنصرية والتطرف، وقال»أعتقد أن النقاش حول فرص الهجرة إلى ألمانيا سيزداد زخما عندما يتخلص عدد أكبر من المواطنين من الصورة التي تكونت لديهم عن الأمة حتى الآن، والتي تبدو متجانسة تماما وكل أبنائها يتحدثون الألمانية كلغة أم، ويدينون بالمسيحية في الأغلب الأعم ويكون لون بشرتهم أبيض».