في الوقت الذي يُقدم فيه العراق على تطبيق حزمة إصلاحات شاملة تهدف إلى الحد من "المحاصصة الحزبية والطائفية" وتدفع البلاد نحو الترابط السياسي والمجتمعي لأجل مواجهة خطر تنظيم داعش الإرهابي والقضاء عليه، اعتبر البنتاجون الأمريكي أن تقسيم العراق قد يكون الحل الوحيد، وقال رايموند أوديرنو، قائد القوات البرية الأمريكية المنتهية ولايته في مؤتمر صحفي الأسبوع الماضي: تحقيق المصالحة بين مكونات الشعب العراقي يزداد صعوبة، معتبرًا أن تقسيم العراق ربما قد يكون الحل الوحيد لتسوية النزاع. وتحدث أودينيرو عن إمكانية تقسيم العراق قائلًا: "هذا الأمر يعود إلى المنطقة، وإلى الشخصيات السياسية والدبلوماسيين في رؤيتهم كيف يمكن لهذا الأمر أن يجري، ولكن هذا أمر يمكن أن يحصل، وقد يكون هو الحل الوحيد"، وحول الاستراتيجية الأمريكية لقتال "داعش" في العراق، قال أوديرنو: إذا لم يحرز الجيش الأمريكي التقدم الذي يحتاجه في الأشهر القليلة المقبلة، فعلى الأرجح علينا النظر تمامًا في نشر بعض الجنود مع القوات العراقية، ومن ثم نرى إذا كان قد حدث تغير أم لا؟" جاءت تصريحات الجنرال الأمريكي بعد يوم من إقرار البرلمان العراقي بالإجماع الإصلاحات التي كان رئيسا مجلس الوزراء حيدر العبادي، والنواب سليم الجبوري، قد أعلنا عنها عقب تصاعد موجة الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد المستشري في القطاع الحكومي، بعد دمجهما في حزمة واحدة. لدى واشنطن خط ثابت في تعاملها مع الوضع السياسي بالعراق، لا تعلق على نظام المحاصصة الذي أنشأته، لكنها لا تخفي تشكيكها في قدرة الحكومة العراقية الراهنة على حشد جميع مكونات المجتمع العراقي لمحاربة "داعش"، ففي يونيو الماضي صرح رئيس هيئة الأركان المشتركة الأمريكية الجنرال مارتن ديمبسي، أن العراقيين يحتاجون إلى مزيد من الوقت للتغلب على انقساماتهم وخوض معركتهم مع "داعش" بأنفسهم، وأضاف ديمبسي: "ندرس أيضًا خيارات بديلة في حال تبين أن الحكومة العراقية عاجزة عن اتخاذ خطوات "تغير قواعد اللعبة"، مثل تشكيل "حرس وطني" يضم أفرادًا من العشائر السُنية، وفي هذا الحال سنضطر للبحث عن سبل أخرى لمواصلة ممارسة الضغط على داعش واختيار شركاء آخرين يمكننا الاعتماد عليهم للدفاع عن أنفسنا". وفي مايو الماضي أيضًا أثار مشروع قرار أمريكي يتعامل مع "الأكراد" و"السُنة" في العراق ك"بلدان مستقلة"، حيث صوتت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأمريكي على قانون يتعامل مع البيشمركة والفصائل السُنيّة المسلحة كقوتين مستقلتين، وينص القرار الذي طرحه أعضاء الكونجرس من الحزب الجمهوري، على الاعتراف بالمكون الكردي والعشائر السُنية كدولتين مستقلتين بهدف تقديم مساعدات أمريكية مباشرة لهما بعيدًا عن حكومة العراق المركزية. وهذه التصريحات والمشروعات لم تكن الأولى التي تظهر فيها نية أمريكا لتفتيت العراق وتقسيمها، فقد سبق وقال نائب الرئيس الأمريكي "جو بايدن" في يونيو عام 2013: إن إنشاء الأقاليم الثلاثة "شيعي وسُني وكردي" بات خيارًا "ملحًّا وضروريًّا" لاحتواء الأزمة في العراق، لكن في عام ال2015 كثرت التصريحات والقرارت التي تعجل من تنفيذ الاستراتيجية الأمريكية المبيتة لتقسيم العراق وجعله في وضع مرتبك، تستطيع من خلاله التحكم في موازين قواه، من أجل بقاء الكيان الصهيوني في أمان وتدعيم موقفه وقوته في المنطقة. ورغم أنه كان معروفًا أن الجنرال أودييرنو من المؤيدين بقوة لبقاء قوات الاحتلال الأمريكي في العراق، حتى استكمال المخطط الذي من أجله غزت الولاياتالمتحدةالعراق، وعملت على تنفيذه من خلال تفكيك كل مؤسسات الدولة العراقية، إلَّا أن محللين يرون أن هذه التصريحات الواضحة لا تحتاج إلى قراءة ما خلف السطور، وليست المرَّة الأولى التي يدعو فيها جنرال أو سياسي أمريكي إلى تقسيم العراق. وتثير هذه التصريحات أيضًا تخوفات من أن ينطبق الحل المقترح للعراق على العديد من البلدان العربية، بما فيها بلدان توصف بأنها مستقرة نسبيًّا، حيث إن الخريطة التي نشرتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية في (سبتمبر) 2013، تبيِّن مخططًا لتقسيم 5 دول عربية إلى 14 بلدًا، هي العراق وسوريا واليمن والسعودية وليبيا، ولا تستبعد أيضًا مراكز أبحاث أمريكية دولًا مثل مصر والجزائر والسودان عن مخططات التقسيم والتفتيت.