رشحه رفيق العمر عادل أمام ل«قصر الشوق» حلم بتجسيد شخصية «الحسين» حتى لو اعتزل التمثيل مشوار حافل ومسيرة حياة وإبداع عاشها الفنان نور الشريف، ما بين إطلالته الأولى على شاشة السينما في فيلم قصر الشوق، وفيلمه الأخير "بتوقيت القاهرة" للمخرج أمير رمسيس، الذي نال عننه آخر جوائزه، كأفضل ممثل من مهرجان وهران للفيلم العربي قبل شهرين، وحملت شخصيته فيه اسم الأستاذ الراحل الذي ارتبط الاثنان به، المخرج والبطل، "يحيي"، الاسم الذي اختاره الراحل يوسف شاهين لنفسه، في ثلاثيته الشهيرة عن قصة حياته. لم تكن السينما أولى خطواته مع التمثيل الذي فرض نفسه على "محمد جابر"، ابن حي السيدة زينب، 28 أبريل 1946، وسرقه من موهبته الأخرى كرة القدم، ضمن أشبال نادي الزمالك. البداية كانت على خشبة مسرح المدرسة، ثم المعهد العالي للمسرح الذي تخرج منه 1967، الأول على دفعته قسم التمثيل بتقدير أمتياز، وقدمه أستاذه سعد أردش للجمهور في مسرحية "الشوارع الخلفية"، ثم سرقته السينما من المسرح حين رشحه رفيق العمر عادل أمام للمخرج حسن الإمام ليشارك في "قصر الشوق" 1966، كمال عبد الجواد الشاب الحائر فكريًا، كأنه رمز لعصر التنوير أو كما رآه كثيرون إنعكاسا لنجيب محفوظ. وعن هذا الدور نال شهادة تقدير تمثل أول جائزة في مسيرته المهنية، ويستكمل الشخصية في مرحلة منتصف العمر في "السكرية"، 1973، بإبداع يفوق انطلاقته الفنية. وكما بدأ حالما رومانسيا مع كمال عبد الجواد، ظل حتي لحظاته الأخيره رمزًا لذلك المثقف الحالم وللعاشق الرومانسي حتى في مسيرة حياته الشخصية وقصة حب عمره مع الفنانة بوسي. عاش نور شاهدًا على عصره، وفاعلًا في التعبير عن هموم الناس، لتبدو أعماله الفنية بمثابة تأريخًا اجتماعيًا لوطنه، طوال نصف قرن، خاصة صعود وانهيار الطبقة الوسطي، ضمن المتغيرات التي مر بها المجتمع المصري. في مسيرته المهنية لم يكتف بدور الممثل الذي تعشقه الكاميرا ويتهافت عليه المنتجون، فالممثل المهموم بدور الفن في مجتمعه والمدافع الشرس عن صناعة السينما اختار أن يخوض تجربة الإنتاج للتعبير عن أفكاره، أسس شركة إن بي، مع شريكة حياته الفنانة بوسي 1975، ليصبح شريكا رئيسيًا في تيار الواقعية الجديدة، وفي أبرز محطات تجارب مخرجي جيل الثمانينات، الذين كافحوا بشراسة للتعبير عن نبض االشارع، خاصة عاطف الطيب، محمد خان، ثم داود عبدالسيد. هكذا كان شاهدًا على سرقة دم ونصر جيل في "زمن حاتم زهران"، وكتيبة الإعدام"، وعلى الإنفتاح السداح مداح وانعكاساته المجتمعية في "سواق الأتوبيس"، بصرخته الشهيرة "ولاد الكلب "، والغزو الظلامي الرجعي.. ابن رشد في "المصير"، ليوسف شاهين الذي قدم معه قبلها "حدوتة مصرية". وهو ناصري افتتح حملة جلد الستينيات ب"الكرنك"، لكنه وجد الشجاعة ليعتذر عنه. مدافع شرس عن الهم العربي، وفي قلبه جرح فلسطين، هكذا جاءت معركة فيلم "ناجي العلي"، 1992، الذي انتجه، وجر عليه غضب الأنظمة العربية، حوصر توزيعه ومنعت أفلامه في الخليج، ليصبح هدفًا لإعلام نظام القاهرة وقتها. واتهم بالخيانة، الأمر الذي كان طبيعيا ومفارقا في الوقت ذاته، أن يكون أخر تكريم له هو جائزة القدس للثقافة والإبداع، مارس الماضي، من "اللجنة الوطنية للقدس عاصمة دائمة للثقافة العربية"، "تقديراً لدوره الإبداعي والثقافي العربي، ولشخصيته المتميزة في السينما العربية، التي دائماً ما تنتصر للقدس وللقضية الفلسطينية ولقضايا الإنسان والمجتمع وقيم الحرية والديمقراطية والتعددية الثقافية والفكرية والسياسية". عرف ببحثه الدائم عن الجديد ودعم المخرجين الشباب. ولشغفه بتقديم شخصيات متنوعة خاض عوالم عدة بجرأة فقدم تنويعة واسعة من الشخصيات دون خوف من أحكام الجمهور ك"الشواع الخلفية" و"قطة على صفيح ساخن"،"ليلة البيبي دول" فجمع بين جرأة الممثل وعناد صاحب الرؤية. لم يتوان عن خوض مغامرات فنية مثل "البحث عن سيد مرزوق". قدم نور شخصيات منحها الكثير من كاريزما شخصيته الإنسانية والفنية، ليقدم عددًا من الأعمال التي صارت علامات خاصة في الدراما الرمضانية، كما قدم عددًا من الشخصيات البارزة في تاريخنا من خلال الأعمال التاريخية ومنها عمر بن عبد العزيز وهارون الرشيد، فيما كان حلمه تجسيد شخصية «الحسين» حتى لو اعتزل التمثيل بعدها، حفرت مسلسلاته الاجتماعية مكانها في وجدان الجمهور على امتداد الوطن العربي ب: لن أعيش في جلباب أبي، الثعلب، الدالي، العطار والسبع بنات، رجل الأقدار. ويكفيه أنه سيظل حاضرا في ذاكرة العرب ب"الحاج متولي".