غارات جوية أوهمت بها تركيا العالم أنها تدك معاقل تنظيم داعش الذي يتمدد في العراقوسوريا، بعد أن ظلت صامتة أمام تقدم هذا التنظيم ولم تنخرط في عمليات مناهضة هذا التنظيم وتحجيم انتشاره لأن ذلك يتعارض مع المصالح التركية، واتخذت من مقاتلي داعش وسيلة لتحقيق هدف أكبر، ورغم إعلانها أن الغارات جوية التي تشنها تستهدف مواقع التنظيم، فإنها ضربت مخيمات لناشطي حزب العمال الكردستاني في شمال العراق. وبعد هذه الغارات، يحتدم الآن الصراع بين الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان وفريقه الحكومي من جهة، وبين حزب الشعوب الديموقراطي من جهة أخرى، حيث قبل أيام، اتهم الشعوب الديموقراطي الدولة التركية العميقة بتدبير التفجير الإرهابي في منطقة سروج الحدودية، من أجل ضرب صدقية الأكراد الذين أعرضوا عن التصويت لأردوغان وحزبه في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، مسقطين مشروعه الرئاسي. واتهم زعيم الشعوب الديموقراطي، صلاح الدين دميرتاش، أردوغان بأنه يريد إظهار حزب الشعوب وكأنه يعمل مع مجموعة حزب العمال الكردستاني التي تتخذ في جبال قنديل شمالي العراق معقلا لها، الأمر الذي يجعل هذه الحرب تبدو وكأنها تدور من أجل تأمين أصوات القوميين الأتراك لمصلحة أردوغان، قبل ذهابه إلى انتخابات برلمانية مبكرة. وتزامنا مع الغارات نفذت الحكومة التركية حملات اعتقال ضد الناشطين الأكراد، خاصة بعد تبني حزب العمال قتل شرطيين تركيين عثر على جثتيهما قرب الحدود السورية، ردا منه على هجوم انتحاري دموي وقع في ال20 من يوليو فى مدينة سوروتش التركية، واستهدف ناشطين يساريين مؤيدين للقضية الكردية، واتهم المسؤولون الأتراك تنظيم داعش بالوقوف خلف التفجير الذى أوقع 32 قتيلا، وقيل إن تركيا التى دبرت هذا التفجير. محاولة الرئيس التركي أردوغان لضرب الأكراد أدت إلى خرق اتفاق الهدنة بين أنقرة وحزب العمال الكردستاني التي تم توقيعها عام 2013، ويبدو أن الهجمات التي تستهدف مسلحي حزب العمال الكردستاني تفسر تخوف أنقرة من التفكير في قيام دولة كردية مستقلة على حدودها، وليس الهدف منها منطقة خالية من داعش حسبما أعلن وزير الخارجية التركية مولود جاويش أوغلو، إذ اتخذ أردوغان من الحرب على داعش والمنظمات المتطرفة التي تقاتل في سوريا المدعومة من نظامه ذريعة لشن غارات على الأكراد، وبررت تركيا للأمم المتحدة استهداف الأكراد، مشيرة إلى المادة 51 من ميثاق الأممالمتحدة التي تعطي الدول بشكل منفرد أو بشكل جماعي حق الدفاع عن النفس في مواجهة الهجمات المسلحة. لم ينتبه أردوغان إلى أن الأكراد عندما صوتوا لهذا الحزب، إنما كانوا يؤيدون عملية السلام في تركيا، وقد أكد دميرتاش أخيرا أن غاية العدالة والتنمية في سوريا اليوم ليست ضرب داعش بل منع الأكراد من الوصل بين مناطقهم وتوحيدها، لهذا السبب وافق أردوغان على فتح قاعدة إنجرليك أمام قوات التحالف الدولي. وكان أردوغان قد أكد من بعدها على استحالة العودة إلى عملية السلام مع الأكراد، في محاولة لشد عصب القوميين وتأجيج مشاعرهم ضد الأكراد من جديد، كذلك، حاول الرجل أن يحاكي دعوات حزب الحركة القومية إلى منع حزب الشعوب الديموقراطي وإغلاق أبوابه تماما، مثلما حدث مع العدالة والتنمية في الماضي، لكنه عاد ودعا إلى ملاحقة قادة هذا الحزب. وقبيل الضربة مباشرة سمح أردوغان للمرة الأولى لقوات التحالف الدولي المناهض لداعش باستخدام العديد من القواعد الجوية التركية، لا سيما قاعدة إنجرليك العسكرية لشن غارات على معاقل داعش في العراقوسوريا، مقابل غض طرف الولاياتالمتحدة عن توجيه تركيا ضربة للأكراد على الحدود التركية مع العراقوسوريا، وما يفسر ذلك هو تعليق واشنطن على الضربات التركية للأكراد، حيث قال أليستر باكسى، المتحدث باسم البيت الأبيض: "إن لتركيا الحق في الدفاع عن نفسها ضد هجمات المتمردين الأكراد"، وذلك بعد أن أعلن وزير الدفاع الأمريكى آشتون كارتر، في الشهر نفسه أن عمليات القصف الأمريكية في الأيام الأخيرة على الرقة معقل تنظيم داعش بسوريا، تهدف إلى دعم تقدم القوات الكردية التي تقف أمام تقدم التنظيم الإرهابي، وما يؤكد ذلك هو تغير لهجة واشنطن أمام حزب العمال الكردستاني، حيث وصف مسؤول بالبيت الأبيض حزب العمال الكردستاني بالإرهابى، مدينا الهجمات التي شنها الحزب على القوات التركية، وهو موقف يختلف تماما مع الموقف الذي اتخذته واشنطن من دعمها قضية الأكراد، وتسليحها مقاتلي البيشمركة للتصدى لداعش في العراق.