عاش الفلاح المصري -ولا يزال- في إطار معادلة ثلاثية مأساوية منتجا رغم فقره ومضطهداً رغم إنتاجه و مناضلاً رغم اضطهاده. هكذا بدأ القطب النقابى محمد هندى، رئيس الاتحاد المصرى للعمال والفلاحين، حديثه مع «البديل» حول أزمة الفلاح والزراعة المصرية فى ظل احتفال الدولة بذكرى ثورة 23 يوليو. وأضاف : أما أنه "منتج"، فذلك أمر لا يحتاج تدليل. فهو أول إنسان -في الجماعات البشرية الأولى- "يخترع" الزراعة، مقدماً لمصر -منذ مطلع التاريخ وحتى اليوم- إمكانات خيرها ونمائها وحضارتها. ماذا حدث للفلاح المصري وتابع هندى قائلا : قليلًا ما يفكر أحد في الفلاح المصري وماذا جرى له من تحولات بسبب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ربما لأن من يكتبون أغلبهم يعيشون في المدينة، وحتى لو كانت أصولهم قروية إلا أن علاقتهم بالقرية وبأهلها اقتصر على زيارات عارضة أو موسمية لحضور فرح أو عزاء أو عيد، وسرعان ما يعودون إلى مدينتهم وهم يحمدون الله على النعمة التي هم فيها وينسون الموضوع برمته بقصد أو بغير قصد. وحتى في الأعمال الدرامية لا يظهر الفلاح الحقيقي غالبًا وإنما يظهر فلاح تخيلي ذو صورة نمطية يعيش في رأس المؤلف وتفصله مسافات شاسعة عن الفلاح الحقيقي. وقال يخطئ من يظن أنك لكي ترى الفلاح فلابد أن تذهب إلى القرية، فالقرية وإن كانت هي الموطن الأصلي للفلاح إلا أنها أصبحت بيئة طاردة له إلى المدينة في داخل مصر وخارجها، فأصبح الفلاح يظهر في كل مكان وبكثافة يحمل معه كل موروثه القروي بعدما أضيف إليه من تعديلات أو تشوهات, وهذه الصورة لا تغري أحدا بتأمله وإنما يكتفي بتسخيره (أو استخدامه) لأداء بعض المهام المطلوبة لساكني المدن. واشار ان الفلاح المصري ليس له إرادة سياسية تغري أصحاب القرار بالاقتراب منه ودراسة أحواله ورصد تغيراته، وليس له ثقل اجتماعي يغري الباحثين بالتعمق في أحواله وتحليل جوانب حياته؛ لذلك أصبحت القرية المصرية منطقة غائمة في الوعي العام. وهناك مثل شعبي شديد القسوة يصور هذا الموقف بقوله: "الفلاح ريحته زفره"، وقديما كان الباشا التركي المتعالي والمتغطرس يصف المصري عموما بأنه"فلاح خرسيس"، حتى ولو كان ذلك المصري زعيما شعبيا بحجم أحمد عرابي. وليس فقط الباشا التركي هو الذي يستخدم لفظ الفلاح بهذا الشكل السلبي وإنما اعتاد المصريون أنفسهم أن يستخدموه كأداة سب وتحقير في حوارهم اليومي، ولم يظهر الفلاح في صورة إيجابية حقيقية إلا فترة قصيرة في بدايات ثورة يوليو وهو يسلم على الزعيم عبد الناصر ويتسلم منه عقد ملكية الأرض الجديدة التي اقتطعتها الثورة ممن أسمتهم إقطاعيين في ذلك الوقت. وأما أنه "مضطهد"، فلعله ليس من الخطأ -التاريخي أو المنهجي- أن نقول أن تاريخ التطور الاجتماعي في مصر قد تحدد -أساساً ومنذ آلاف السنين- كنتاج لحركة الصراع الطبقي بين الفلاحين وبين القوى القاهرة لهم، مصرية كانت أو غازية أجنبية.وأما أنه "مناضل"، فهذا ما ندعيه ولكن أرواح شهدائه ودماء مكافحيه وعرق منتجيه، هي التي روت أرض مصر الطيبة، مسجلة له هذا الشرف. ولفت ان المصريون هم أول جماعة بشرية تمارس الزراعة منذ أكثر من ستة آلاف عام قبل الميلاد. ولم تستقر الزراعة وتصبح مجال الإنتاج الوحيد -ثم الرئيسي- في مصر، إلانتيجة الجهد الجماعي الشاقالذي بذله الفلاحون الأوائل من أجل الاستفادة بمياه النيل ومنه تسربها في رمال الصحراء ومع نمو الجماعة المصرية، ونمو احتياجها إلى الاستقرار والتطور، كان لابد من القيام بعمليات "كبيرة" في نظام الري واستغلال المياه. ومن هنا نشأت "الدولة" المصرية. وكان أهم وأول وظائف هذه "الدولة" المقدرة على تنظيم استغلال المياه في الزراعة بما يعنيه ذلك ويستلزمه من التحكم فيه حتى لا يغرق البلاد (وذلك بإقامة السدود). ومن وضع وسائل توصيل مياهه إلى أرض الصحراء (بإقامة الترع والجسور). وفي الوقت الذي أقيمت فيه هذه المنشآت التي أدت إلى نمو الزراعة بفضل التضحيات الجماعية للفلاحين المصرين، استغلت "الدولة" مهمتها تلك لتصبح أداة قابضة متحكمة مالكة لكل الأراضي المنزرعة، مسيطرة عليها وعلى حياة من استصلحوها واستتزرعوها وانتجوا خيراتها بدمائهم قبل عرقهم.وأصبحت الدولة -ممثلة في الفرعون- هي المالكة الوحيدة للأرض، أما الفلاحون فيعملون بالسخرة حتى يستولى الملك وحاشيته وأٍسرته وكهنته، على الريع الناتج عن كدهم ومعاناتهم طوال العام.وهكذا تحدد الصراع الطبقي في مصر -منذ بدايات التاريخ- بين من يملكون الأرض ولا يعملون عليها، وبين من يكدحون فيها ولا يملكون منها شيئا. واستطرد قائلا مع توالي العهود على مصر.. من غزو الفرس واليونان والرومان، ومع الفتح العربي، والاحتلال العثماني، وسيطرة المماليك، وحكم محمد علي.. لم يتغير الوضع كثيراً، بل كان كل حاكم أو محتل يحرص على استمرار علاقات الإنتاج الزراعي كما كان وضعها في مصر القديمة، معبعض الاستثناءات المحدودة -وخاصة في مرحلتي حكم محمد علي ومن قبله الفتح العربي- التي لم تغير كثيراً -ولا قليلا- من النمط العام للإنتاج والاستغلال والاضطهاد. ولم تتوقف – وان كانت قد قامت في مراحل مختلفة- حركة النضال الفلاحي في مصر منذ عهد الأسرة السادسة في مصر القديمةوتوالت الهبات والانتفاضات الفلاحية ضد السخرة والاستغلال ومن أجل حق الحياة الكريمة، أو ضد الاحتلال الأجنبي لأرض الوطن. وكان الفلاحون هم الوقود -الواعي- لكل مراحل الثورة المصرية في تاريخها القديم أو الحديث. لقد وقع من الظلم والقهر علي الفلاح المصري ما جعله جثةهامده إضافة الي الفقر والجهل وتصدر طبقة كبار الملاك الزراعيين لقيادة العمل التعاوني وغالبيتهم ان لم يكونو جميعا من اصحاب النفوذ بذا ترك الفلاح المصري يتيما لا يدافع عنه احد اللهم الا اصوات وطنيه هنا وهناك تعاني من القهر السياسي وحظر الشرعيه عنهم ومن ثم فهم غير قادرين لظرفهم الشخصي وللظروف الموضوعيه المحيطه علي رفع الظلم عن كاهل الفلاح المصري وطلب هندى الحكومة الحالية بقانون عادل يحمى الطبقة الوسطى وذلك سعيا لتحقيق السلم والاستقرار الإجتماعي وعدالة متوازنة تراعي مصلحة افراد الشعب المصرى والمساواة بينهم مشيرا أن نسبة الدعم الموجه للفلاح في أوربا وأمريكيا تصل الي 200% في بعض الدول حيث تدعم الولاياتالمتحدةالأمريكية الفلاح بنحو 150 % من إنتاجه أي أنه إذا أنتج سلعة بألف دولار تدفع له الحكومة دعما يصل الي 1500 دولار، أما دول الإتحاد الأوربي فتدعم الفلاح سنويا بنحو 9 مليار يورو كما يتم إعفائه من كافة أشكال الضرائب والجمارك علي المنتجات الزراعية. ودعا هندي بضرورة تأسيس صندوق قومي لدعم وتأمين الفلاح المصري علي غرار الصندوق القومي لدعم وتأمين الفلاح في أوربا وأمريكا وغيرها من الدول المتقدمة حفاظاً على الرقعة الزراعية والقضاء على مشاكل الفلاح الفقير واوضح هندى ان ثورة 30 /6 سحقت حق العامل والفلاح من مجلس النواب ولن نجد من يمثلهم تمثيل حقيقى ويبدو أننا لن نجد في المجلس الجديد عامل او فلاح واحدا والهدف في النهاية هو حصول الراسماليين على الحصانة من أجل اغراض شخصية لا تفيد الوطن ولا المواطن الفقير بشئ، رجال الأعمال وكبار المسئولين يغيرون جلودهم وأصولهم وملامحهم ويرشحون أنفسهم كعمال أو فلاحين ليحصدوا عضوية مجلس النواب المقبل رغم أن ذلك مخالفة صريحة فى المساواة بين ابناء الوطن فإن الجميع تغاضي عن ذلك ووقعت الجريمة ولم يبق لمجلس النواب القادم ما كان يسمي العامل والفلاح الحقيقى المدافع عن حقوق الطبقة الفقيرة. واختتم هندى حديثه قائلًا "ثورة 23 يوليو المجيدة كانت وستظل إنجازًا وطنيًا قام به جيل صاعد وواعد من أبناء القوات المسلحة الباسلة التي دائمًا ما تحمل على عاتقها هموم الشعب المصري مشيرا إلى أن فقراء الشعب المصري وبسطائه، كانوا أول المستفيدين، من ثورة ال 23 يوليو، حيث كانت بمثابة طوق النجاة من الظلم والفساد والاستعباد، مشيرًا إلى أن الفلاح المصري استرد كرامته مع هذه الثورة ولديه الان الفرصه الاخيرة لاعادة هذه الكرامة وتلك الحقوق التى اهدرت فى ظل انظمة ساعدت فى انتشار مشاكل عديدة لكل الفلاحين واحتقارهم".