في إطار تشديد قوات الاحتلال الصهيوني على وصول الفلسطينيين إلى المسجد الأقصى لأداء صلاة الجمعة من كل أسبوع، وخاصة أثناء شهر رمضان، ترتكب القوات الصهيونية في كل مرة يحاول فيها الفلسطينيون الوصول إلى المسجد العديد من الانتهاكات والإجراءات التعسفية التي تنتهي في كل مرة بكارثة إنسانية. استشهد الشاب الفلسطيني "محمد هاني الكسبة" الذي يبلغ من العمر 17 عامًا برصاص قوات الاحتلال في مخيم قلنديا بمحافظة القدس، وقالت مصادر طبية في مستشفى رام الله إن "الكسبة"، وصل المستشفى وقد فارق الحياة نتيجة إصابته بالرصاص الحي في الرأس والصدر. ذكر شهود عيان على الواقعة ومصادر محلية أن جنود الاحتلال أطلقوا النار على الشاب "محمد الكسبة"، وأصابوه بينما كان يتسلق الجدار الفاصل للوصول إلى مدينة القدس، حيث سقط من ارتفاع عال ما أدى إلى استشهاده، فيما قال موقع و"اللا" الاخباري الصهيوني أن الشاب "الكسبه" رشق سيارة قائد قوات الاحتلال في منطقة "بنيامين" ويدعى "يسرائيل شومير" وأصابها "الكسبة" في مقدمتها حيث ترجل أحد الجنود من السيارة، وأطلق النار صوب الشاب وأصابه بجروح خطيرة أدت لاستشهاده بعد أن تم نقله إلى مجمع فلسطين الطبي. من ناحية أخرى عززت قوات الجيش الصهيوني من انتشارها في محيط مخيم قلنديا تحسبًا لاندلاع مواجهات إثر استشهاد الشاب "الكسبه"، حيث يتوقع الجيش الإسرائيلي اندلاع مواجهات عنيفة أثناء تشييع الشاب "محمد هاني الكسبة". عملية تشديد الإجراءات على دخول المصلين إلى المسجد الأقصى لم تكن جديدة، فكثيرًا ما تحدث اشتباكات بين جنود الاحتلال والفلسطينيين أثناء دخول المسجد، كما تضع القيادات الصهيونية قيود كثيرة على الدخول، لكن منذ بداية شهر رمضان شددت القيادات الصهيونية هذه القيود خاصة أثناء صلاة الجمعة من كل أسبوع، حيث أعلنت سلطات الاحتلال السماح للفلسطينيين من الرجال ما فوق الأربعين من العمر بالدخول عبر الحاجز من دون تصاريح، وللنساء كافة من دون تحديد الأعمار. وذكرت مصادر فلسطينية أن السلطات الصهيونية منعت فجر اليوم الجمعة النساء ممن تقل أعمارهن عن 30 عامًا، والرجال الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا، الأمر الذي أدى الى حالة من الغضب بين الفلسطينيين المتواجدين عند الحاجز. واكتظ الحاجز العسكري الذي يربط الضفة الغربية مع مدينة القدس من الناحية الشمالية، بآلاف الفلسطينيين الذين وصلوا فجراً بانتظار الدخول إلى القدس لأداء صلاة الجمعة الثالثة من شهر رمضان في المسجد الأقصى بعد الخضوع لعملية التفتيش الشخصي عند الحاجز. في الوقت نفسه، يحاول الفلسطينيون الممنوعين من دخول الأقصى الالتفاف على الإجراءات التعسفية التي فرضتها قوات الاحتلال وذلك من خلال القفز من أعلى جدار الفصل العنصري للوصول إلى المسجد، ليتحول بذلك جدار الفصل العنصري الفاصل بين مدينة القدسالمحتلة وبلدة الرام جنوب شرق المدينة، إلى ميدان تسلق، حيث يقفز من عليه شبان فلسطينيون رغبة منهم في أداء صلاة الجمعة. يقول أحد شباب بلدة "الرام"، "أنا أعمل مع خمسة زملاء، على صناعة سلالم خشبية، وأحبال خاصة، لتسلق الجدار والوصول إلى الجانب الآخر منه، ومراقبة حركة الجيش حتى لا يُغدر بالمصلين أويمسك بهم"، ويضيف "هذا الجدار لن يكون عائقا بيننا وبين القدس". من جانب آخر، تعمل مركبات خاصة على نقل عشرات الشبان الراغبين في الصلاة بالأقصى، حيث يقول أحد السائقين "نحن نعمل على نقل المصلين، كل من يمنع من دخول القدس يأتي إلى هنا يتسلق الجدار"، ويقوم أحد أفراد الفريق العامل معه بمراقبة حركة الجيش الإسرائيلي من على بناية سكينة مقابلة لموقع تهريب المصلين. ويقول أحد الشباب "في العام الماضي وقعت في كمين للشرطة الإسرائيلية أثناء تسلق الجدار، وأمسكوا بنا، وتم الاعتداء عليّ بالضرب المبرح، وغرموني مبلغ 250 شيكلاً، لكن ذلك لم يمنعني من العودة من جديد"، ويضيف "نؤكد للاحتلال أننا قادرون على الوصول إلى مدينتنا المقدسة، وقتما نشاء، لا نحتاج إلى تصاريحهم، نتسلق الجدار، لن نمنع من قدسنا". نعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" على لسان المتحدث باسم الحركة في القدس "رأفت عليان"، شهيدها "الكسبة"، وأشار إلى أن هذه الجريمة التي تأتي تزامنًا مع الذكرى السنوية لاغتيال الشهيد الفتى "محمد أبو خضير" ما هي إلا تأكيدًا من حكومة الاحتلال وأذرعها التنفيذية بجر الشعب الفلسطيني إلى دوامة العنف والمواجهة المباشرة. وأضاف المتحدث باسم الحركة أن "هذه الجريمة تضاف إلى سلسلة الجرائم التي يرتكبها المحتل بحق الفلسطينيين، فدماء الشهداء الزكية لن تذهب هدراً ولن تثنِ عزائمنا وسنبقى على عهد الأبطال والشهداء، وأننا سنرد بأكثر ما يؤلم العدو وهو أن نبقى مستمرين في مقاومتنا الشعبية وجهادنا حتى تحرير كامل أرضنا المغتصبة". إصرار الشباب الفلسطيني على التمسك بالصلاة في المسجد الأقصى خاصة أثناء شهر رمضان هو رسالة للقيادات الصهيونية بأن هذه القيود لن تمنع مقاومة الشعب الفلسطيني، فبالرغم من تشديدها إلا أن دائرة الأوقاف الإسلامية قدرت عدد المصلين خلال الجمعة الماضية التي تعتبر ثاني جمعة في شهر رمضان بنحو 350 ألف مصل، أدوا الصلاة في المسجد الأقصى، ولكن هذه الجمعة يسقط أحد المقاومين للاحتلال ليلحق بشقيقيه الشهيدين "ياسر" و"سامر الكسبة" اللذين استشهدا في مخيم قلنديا أيضًا شهر مايو من عام 2002، ولم يفصل بين استشهاهما إلا 39 يومًا فقط.