في كتابه "العقد الاجتماعي"، وهو علامة بارزة في تاريخ العلوم السياسية، طرح آراءه فيما يتعلق بالحكم وحقوق المواطنين، وفي روايته الطويلة "إميل" أعلن أن الأطفال ينبغي تعليمهم بتفاهم، وأوصى بأن يتجاوب المعلم مع اهتمامات الطفل، وحذر من العقاب الصارم ومن الدروس المملة، وأحس أيضًا بوجوب الإمساك بزمام الأمور لأفكار وسلوك الأطفال. جان جاك روسو، الكاتب والفيلسوف الجنيفي، الذي تمر ذكرى وفاته اليوم، يعد من أهم كتاب عصر العقل، وهي فترة من التاريخ الأوروبي، امتدت من أواخر القرن السابع عشر إلى أواخر القرن الثامن عشر، ساعدت فلسفته في تشكيل الأحداث السياسية، التي أدت إلى الثورة الفرنسية، وأثرت أعماله في التعليم والأدب والسياسة. ولد روسو في مدينة جنيف بسويسرا، وكانت أسرته من أصل بروتستانتي فرنسي، عاش في جنيف لمدة سبعين عاما تقريبا، توفيت أمه عقب ولادته مباشرة، تاركة الطفل لينشأ في كنف والده، الذي عُرف بميله إلى الخصام والمشاجرة، ونتيجة لإحدى المشاجرات، اضطر والد روسو إلى الفرار من جنيف. فتولى عم الصبي مسؤولية تربيته. بعدها هرب روسو من جنيف، وبدأ حياة من الضياع، ومن التجربة والفشل في أعمال كثيرة، كانت الموسيقى تستهويه دوما، وظل لسنوات مترددا بين احتراف الكتابة أو الموسيقى. وبعد وقت قصير من رحيله عن جنيف، وهو في الخامسة عشرة من عمره، التقى روسو بالسيدة لويز دي وارنز، وكانت أرملة موسرة. وتحت تأثيرها، انضم إلى الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، ومع أنه كان أصغر من السيدة دي وارنز باثني عشر عامًا، إلا أنه استقر معها بالقرب من مدينة شامبيري، في دوقية سافوي، ووصف سعادته بعلاقتهما في سيرته الذاتية الشهيرة "اعترافات"، لكن العلاقة لم تدم، فقد هجرها. كان روسو في باريس يجري وراء الشهرة والثروة، وسعى إلى احتراف الموسيقى، وكان أمله يكمن في وضع نظام جديد للعلامات والرموز الموسيقية قد كان ابتكره، وقدم المشروع إلى أكاديمية العلوم، ولكنه أثار قدرًا ضئيلاً من الاهتمام. في باريس، اتَّصل روسو بالفلاسفة وهي جماعة من مشاهير كتاب وفلاسفة العصر، وحصل على التشجيع المادي من مشاهير الرأسماليين. ومن خلال رعايتهم، خدم روسو أمينًا للسفير الفرنسي في البندقية. تتسم آخر أعمال روسو بالإحساس بالذنب وبلغة العواطف، وهي تعكس محاولته للتغلب على إحساس عميق بالنقص، ولاكتشاف هويته في عالم كان يبدو رافضًا له، حاول روسو في ثلاث محاورات صدرت أيضًا بعنوان "قاضي جان جاك روسو"، الرد على اتهامات نقاده، ومن يعتقد أنهم كانوا يضطهدونه. مهد روسو لقيام الرومانسية، وهي حركة سيطرت على الفنون في الفترة من أواخر القرن الثامن عشر إلى منتصف القرن التاسع عشر الميلاديين، فلقد ضرب، سواء في كتاباته أو في حياته الشخصية، المثل على روح الرومانسية، من خلال تغليبه المشاعر والعواطف على العقل والتفكير، والنزوة والعفوية على الانضباط الذاتي. وأدخل في الرواية الفرنسية الحب الحقيقي المضطرم بالوجدان، كما سعى إلى استخدام الصور الوصفية للطبيعة على نطاق واسع، وابتكر أسلوبًا نثريا غنائيًا بليغًا، وكان من شأن اعترافاته أن قدمت نمطًا من السير الذاتية التي تحوي أسرارًا شخصية. عندما تحول روسو إلى الداخلية الكاثوليكي، خسر حقوق المواطنة في جنيف، ولكي يستعيد هذه الحقوق تحول مرة أخرى إلى المذهب البروتستانتي، وفي عام 1757 اختلف مع الفلاسفة، لأنه استشعر منهم الاضطهاد، وعام 1757 زار المغرب كمساعد لسفير البندقية، وأبدى إعجابه به، وتغنى بجمال فتاة مغربية أغرم بها كان اسمها حميدة. هكذا عاش، أو هكذا أخبرونا عن روسو، فلم يكن ينصح الناس بالعودة إلى حالة من الفطرة، بل كان يعتقد أن الناس بوسعهم أن يكونوا أقرب ما يكونون إلى مزايا هذه الحالة، إذا عاشوا في مجتمع زراعي بسيط، إذ يمكن أن تكون الرغبات محدودة، والدوافع الجنسية والأنانية محكومة، والطاقات كلها موجهة نحو الانهماك في الحياة الجماعية.