كثر الحديث في الفترة الأخيرة عن عزم روسيا تطوير سلاحها النووي، وذلك بإدخال 40 صاروخا باليستيا جديدا لترسانتها النووية في غضون أشهر، ما ينذر ببدء سباق التسلح النووي، على خلفية النزاع المستمر مع الغرب بشأن الأزمة الأوكرانية، فضلًا عن تفاقم التوتر بين روسياوالولاياتالمتحدة بعدما كشفت واشنطن عن مشاريعها لنشر أسلحة ثقيلة في أوروبا. هذه اللهجة التصعيدية بين روسيا من جهة والناتو وواشنطن من جهة أخرى، تنذر بتكرار ما حدث عقب انهيار الاتحاد السوفيتي عام1991، من إشعال الوضع وتداعي التوازن الأمني في القارة الأوروبية، ويشكل ذلك، حسب مراقبين، خطرا ينبغي أن تنتبه له دول أوروبا العجوز للإفلات من صب الزيت على النار. أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن روسيا ستعزز ترسانتها النووية بنشر أكثر من 40 صاروخا جديدا عابرا للقارات بحلول نهاية العام، الأمر الذي لاقى إدانة واسعة من حلف شمال الأطلسى، وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبيرغ "إن تصريحات بوتين تؤكد نمط وسلوك روسيا خلال الفترة الماضية، ولقد رأيناها تستثمر أكثر في الدفاع بشكل عام وفي قدرتها النووية بشكل خاص"، وأوضح أن "تلك المبارزة النووية لروسيا غير مبررة وخطيرة، حيث ستؤدي لزعزعة الاستقرار، وهذا شيء نواجهه حاليا وهو أيضا أحد الأسباب التي تجعلنا الآن نزيد من استعدادات وجاهزية قواتنا"، مشيرا إلى أن ما يفعله الناتو الآن في الجزء الشرقي من دول الحلف شيء متسق وإجراء دفاعي يتماشى تماما مع التزاماته الدولية. ويري محللون أن دفع حلف شمال الأطلسي ببوارج وجنود من 17 دولة إلى مناورات "عمليات البلطيق" في بحر البلطيق، والتي تشارك فيها دول ليست أعضاء في المنظمة، مثل جورجيا وفنلندا، أغضب روسيا كثيرًا وهو سبب أساسي في عزمها تعزيز قدرتها النووية، لاسيما بعد إعلان وزارة الدفاع الأمريكية أنها ستنشر أسلحة ثقيلة، وبالخصوص دبابات، لقوة عسكرية تصل إلى 5000 جندي في دول كانت تنتمي إلى دائرة النفوذ السوفيتي قبل أن تصبح أعضاء في حلف الناتو بداية من عام 1999. ورغم مرور الكثير من الأعوام، لم تنسى روسيا بعد أن سباق التسلح أثناء الحرب الباردة، الذي حمل الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدة على استثمار مبالغ هائلة متزايدة في قطاع الصناعات الحربية، شكل أحد أسباب اختناق الاقتصاد السوفيتي وانهياره، ومع أن موسكو عززت موازنتها العسكرية بحيث باتت تمثل 21 % من موازنتها الإجمالية، أي ضعفي ما كانت في 2010، استناداً إلى مركز الأبحاث "غايدار"، يعتقد خبراء عسكريون أن روسيا التي تعاني مصاعب اقتصادية نتيجة تراجع سعر الروبل وسعر النفط، إضافة إلى العقوبات الغربية عليها، قد لا تمتلك الأسلحة التي وعدت بها، ما يشير إلى أن تصريحات بوتين ما هي إلا رد استراتيجي على ما تقوم به واشنطن من تحركات في شرق أوروبا. تتهم موسكو حتى الآن الحلف بجرّها إلى سباق للتسلح لا تريده، حيث أكد مستشار الكرملين يوري أوشاكوف أن "روسيا تحاول بطريقة ما الرد على التهديدات المحتملة، ولكن من دون المضي أبعد من ذلك"، لافتاً إلى "أننا نعارض أي سباق تسلح لانه سيضعف قدراتنا الاقتصادية، ونحن نعارض ذلك من حيث المبدأ". وتري روسيا أن حلف الناتو يتعامل مع الأمور بمعايير مزدوجة، حيث يري الحلف أن أي تحرك لروسيا، حتى وإن كان داخل حدودها، شكلا من أشكال التعدي على "أملاكه الخاصة" و"خطرا" على حلفائه حتى وإن كانوا غير أعضاء في صفوفه، في الوقت نفسه يرى أن جميع تحركاته مشروعة وقانونية بصرف النظر عن مصالح أي أطراف أخرى، ، وفقًا للصحف الروسية. في الوقت نفسه يرى قطاع مهم من مراكز الأبحاث أن هذه التصريحات والمناوشات العسكرية لا تتعدى كونها حرب أعصاب بين روسيا والغرب، حيث يقول مدير مركز الميول الإستراتيجية ايفان كونوفالوف: "إننا في مرحلة سجال كلامي، إذا نشرت الولاياتالمتحدة حقا أسلحة ثقيلة في أوروبا الشرقية، سيكون لروسيا رد متناسب، هذا واضح.. لكن الأمر حتى الآن ليس إلا حرب أعصاب»، مضيفاً أن هذه الحرب يحرص عليها الأمركييون الذين يختبرون مواقف روسيا لرؤية إلى أين يمكن أن يذهبوا في المواجهة". ويعيد ما يجري الآن في أوروبا، على خلفية التصعيد بين موسكووواشنطن، التاريخ إلى الوراء لأكثر من نصف قرن، عندما فكرت الولاياتالمتحدة في مهاجمة كوبا عن طريق الجو والبحر (حرب خليج الخنازير)، ثم استقر الرأي بفرض حظر عسكري عليها، وأعلنت الولاياتالمتحدة أنها لن تسمح بتسليم أسلحة هجومية لكوبا، وطالبت السوفيت بتفكيك أي قواعد صواريخ مبنية أو تحت الإنشاء في كوبا وإزالة جميع الأسلحة الهجومية، ورفض السوفيت جميع المطالب الأمريكية، وبدأ تبادل الاتهامات والتهديدات بحرب صاروخية نووية، ولكن الاتصالات عبر القنوات السرية كانت تجري بالتزامن مع التصعيد، وبالفعل انتهت الأزمة في ال28 أكتوبر 1962، عندما توصل كل من الرئيس الأمريكي جون كينيدي والأمين العام للأمم المتحدة يو ثانت إلى اتفاق مع السوفيت يزيل قواعد الصواريخ الكوبية شريطة أن تتعهد الولاياتالمتحدة بعدم غزو كوبا وأن تقوم بالتخلص بشكل سري من الصواريخ البالستية في تركيا وبريطانيا وإيطاليا.