عائلة المواطن عمر سليم -65 عاماً- تعيش في مخيم البريج وسط قطاع غزة، منتظرةً مصيرها ككثيرٍ من العائلات الفلسطينية التي تقطن القطاع، وعلى أمل الوعود التي قطعتها مؤسسات مختلفة قبل أكثر من سنتين لإنقاذ أطفالهم من خطر موتٍ مؤكد بعد أن كشفوا عن مرضٍ مجهولٍ أدى إلى وفاة ثمانية أطفالٍ في زهو أعمارهم ومن نفس العائلة، توفي هؤلاء الأطفال تباعاً، وحتى هذه اللحظة، لم يكتشف الأطباء سبب هذا المرض. احتمالية الموت المفاجئ لأطفالٍ آخرين من عائلة سليم في أيِّ وقتٍ أصبحت مشكلةً تعاني منها العائلة، والتي أصبحت كهوسٍ دائم يلاحقهم، وذلك إن أصيب أيُّ طفلٍ بارتفاعٍ مفاجئٍ في درجات الحرارة.. حتى وإن كانت لأسباب عرضية وعادية تحدث مع معظم الناس، إلا أنها تشكل لهم هاجساً غريباً؛ فيعمدوا إلى الذهاب للمستشفى خوفاً على الطفل من احتمالية الموت الغريب الذي يصيب العائلة. زيارة المنطقة التي تسكنها عائلة سليم يعطي الزائر انطباعاً واضحاً أنَّ المشكلة ما زالت تراوح مكانها، وأنَّ شبح الموت، وخيالات المرض موجودةٌ في أجساد أطفالٍ جدد من هذه العائلة بسبب تقصير الجهات الرسمية وعدم تلبيتها لوعودها السابقة بإيجاد حلول سريعة لهذه المشكلة الغريبة. هناك الكثير من الوعود التي أطلقتها بلدية مخيم البريج ووكالة غوث وتشغيل اللاجئين UNRWA ووزارة الصحة، مستغلَّةً فيها غياب أيِّ دور فاعلٍ لكلِّ مؤسسات المجتمع المدني في المنطقة، بالرغم من أنَّ القضية أخذت أبعاداً إنسانية. في حين أنَّ بعض الجهات الرسمية حاولت معرفة أسباب الوفيات، إلا أنَّ أحداً منها لم يقم بعمل اللازم أو التوصل إلى أيَّة حلول. وذلك ما جعلهم ينضموا إلى جيش المتفرجين على مأساة هذه العائلة التي استصرخت كلَّ الضمائر الحيَّة من أجل الوقوف إلى جانبها والعمل على حلِّ مشاكلها. "إنهم يكذبون"، ذلك ما قاله سليم واصفاً وعود الجهات الرسمية، ومؤكداً أنَّه ليس ثمة من أحد سوف يفي بوعده تجاه العائلة. وقال غاضباً: "بعد مرور سنتين على نشر قصة الموت المتكرر لعائلتي في مختلف وسائل الإعلام، لم يطرأ أيُّ جديدٍ على حلِّ مشكلتنا، حيث أنَّ مجاري الصرف الصحي ما زالت تتدفَّق في المكان، والروائح الكريهة تزكم الأنوف والأمراض تنتشر في كلِّ جانبٍ، والموت يهدِّد الأسرة في أيِّ لحظة، والمسؤولين يشاهدوننا". وتابع سليم قائلاً: "ما زلت انتظر موت أحفادي وأولادي في كلِّ لحظة، ولأنني لا أملك سلطة أو جاه لا يعير أحدٌ اهتماماً للمشكلة التي حصدت حتى الآن ثمانية أطفال في عمر الورد". ويعزو سليم الذي يسكن مع عائلته الممتدة (حوالي 200 نسمة) في منطقة شبه منعزلة عن المخيم، سبب الموت المفاجئ لأطفال العائلة إلى بركة تجميع مياه الصرف الصحي القريبة من المنازل وما تسببه من انتشار الأمراض والروائح الكريهة والبعوض والزواحف، وما زاد الوضع صعوبة كما تقول العائلة قيام البلدية بنقل سوق الماشية بالقرب من منازل العائلة وتخصيص مكب للنفايات في نفس المكان. وبعد أن رفع سليم يديه إلى السماء، تساءل: "لو مات طفلٌ في أيِّ دولةٍ متحضرةٍ، فالحكومة تسقط ويتم محاكمة وزير الصحة، فماذا سيحصل لو مات عدَّة أطفال من أسرة واحدة، والحبل على الجرار؟". استطاع فريق البديل في غزة الوصول إلى هؤلاء الناس والسؤال عن أحوالهم في الوقت الذي تغيب فيه كافة أشكال الرقابة والمتابعة لما يعانيه أبناء الشعب الفلسطيني عموماً، وأبناء قطاع غزة على وجه الخصوص، وتجاهل المؤسسات الحكومية والرسمية للكثير من الأمور التي قد تزيد احتمالية حدوث كوارث إنسانية تأخذ في طيِّها مزيداً من الضحايا، ورغم وصولنا إلى عائلة سليم في غزة، إلا أنَّ معاناة هذه العائلة وغيرها من العائلات ما زالت تتفاقم في ظل الوضع ش الكارثي الذي يمر به القطاع، حيث أنَّها تفوقت على الكثير من مشكلات المجتمع المدني، لما فيها من إراقة للأرواح دون أيِّ ثمن، وتطول هذه الحالة إلى أبعد من المرض بكثير، حتى تصل سهولة استصاغة الموت وإمكانية إعتياده، الأمر الذي يشي بالمزيد من التحديات التي تواجه الفلسطينيين في المرحلة القادمة.