لو سمح بالحرية في الديانة الواحدة لسمح بحرية الأديان نحن في أشد الحاجة إلى "حالة من العمل" في الاتجاه الصحيح يطرح المستشار محرم فؤاد، عددا من القضايا ويحيب على كثير من التساؤلات، من واقع خبرته في السلك القضائي الذي عمل به حتى صار رئيس محكمة، ومن خلال ترأسه لأحد المراكز القانونية الشهيرة التي يقصدها الباحثون عن ملاذ وملجأ، بعد أن تسد الأبواب في وجوههم. في حوار ل"البديل"، تحدث المستشار فؤاد، عن إشكاليات الحرية الدينية والتعصب، والعدالة الاجتماعية، ومحدودي الدخل، والقوانين. وإلى نص الحوار.. -ما مفهومكم للعدالة الاجتماعية؟ العدالة الاجتماعية قيمة كبيرة، وهي مبتغى الأديان، وبقدر الإمكان نحاول أن نطبقها على الواقع، أو هي المساواة في كل ما هو مسموح بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة. وكل مجتمع يحدد العدالة الاجتماعية بمقتضى القوانين حسب رؤية المجتمع ذاته، ونحن في مصر –لأن قوانيننا مصدرها الحاجة وليس العلم- متخبطون في مسألة العدالة الاجتماعية، وعند حدوث مشكلة نصدر القوانين. أغلب القوانين مصدرها الحاجة ويجب أن يكون العلم مرجعها، وأعتقد أن العدالة الاجتماعية غائبة عنا بشكل كبير خاصة في ال20 عاما الأخيرة، وأصبحت شبه غائبة تماما، وهذه مشكلة قوانين وليس أشخاصا، ولن يستطيع شخص أن يحل مشاكل المصريين، بمعنى أن أي مجتمع بما به من أفراد تصعب السيطرة عليهم بدون القانون، ويتم تشكيل سلوكهم وفقا للقانون، لذا نؤكد أن مشاكلنا أصلها القوانين. إصلاح أي شيء بإصلاح قانونه، وصلاح المجتمعات وفسادها بصلاح وفساد قوانينها، والقوانين الفاسدة تنتج مجتمعات فاسدة، وآية ذلك أن أي ثورة تقوم تسقط القوانين، وأي نظام جديد ينشئ دستورا، فالقوانين أساس الأشياء والمادة والكون، ونحن بحاجة إلى إصلاح مجموعة من القوانين. -وما أسباب غيابها في مصر؟ لازلنا نتحدث عن محدودي الدخل والفقراء بطريقة مجهلة، ولا يمكن تحديد العلاج إلا بعد تشخيص دقيق للمشكلة، وبإنزال ذلك على ما نتحدث عنه فلابد أولا أن يكلف المختصون من رجال الدين واللغة وعلم الاجتماع بتحديد تعريف دقيق لمحدود الدخل أو الفقير حتى نستطيع تحديد احتياجاته، وهنا يبدأ الحديث عن الحل والدعم، وعن مستوى الدولة الاجتماعي، وعن الاقتراض من عدمه، والمعونات، وكل هذا مرتبط بتعريف دقيق للفقير أو محدود الدخل. إذن يجب تعريف الفقير أولا، ثم تحديده وحصر احتياجاته قبل صرف أي دعم أو منحة أو إعفاءات، فقد يكون بحاجة لشيء غير ما يصرف له، وقد تنفق الدولة أموالا بدون طائل. -ما أسس تحديد الفقير؟ المختصون بمعنى تحديد الفقير يعتمدون على معايير منها النوع، والتعليم ونوع العمل، ومستوى الصحة، فهناك الفقير صحيا برغم ارتفاع دخله، وهناك الفقير في التعليم، وعلى مستوى الرجال والنساء، ولو كان الدعم "ملابس" فمن الأولى بها؟، فلا فقير على إطلاقه. فتحقيق العدالة الاجتماعية تتضمن فكر "إرادة الأمة"، وبعد هذا يكون من السهل معرفة من يتحصل على الدعم المستحق، والغرض من كل هذا إنهاء حالة الفقر، وأن يكون هذا هدفنا وما نحاول أن نصل إليه وليس فقط "مسكنا" وينتهي الفقر، وقد يكون الجاهل الفقير بحاجة إلى غذاء وتعليم، ولو حصل على الغذاء فقط سيبقى جهله ويستمر فقره. -ما رؤيتكم لمفهوم الحريات الدينية؟ الحرية الدينية داخل الدين الواحد، وطالما سمح بالتفريط يسمح بالتشدد فيما لا يضر كل منهما الآخر، وهذا هو المفهوم الأول، الثاني يعني حرية تعايش الأديان المختلفة داخل الوطن الواحد، ولو تحقق المفهوم الأول لتحقق الثاني بطبيعة الحال. لو سمح بالحرية في الديانة الواحدة لسمح بحرية الأديان (لكم دينكم ولي دين)، طالما تسمح بالتبرج دون تقزز فاسمح بالحجاب دون قيد، وطالما تسمح بالعري دون استحياء فاسمح بالنقاب دون قلق. ولولا أن العلاقة بين العبد وربه سواء بالتشديد أو التفريط ما كانت الأديان، إذا طبقت هذا ستتغير حالة المزاج الشعبي، ويجب إعطاء كل المساحات من دون قلق، وستغلب عليك الحالة المصرية وستنصهر وحدها، وآية ذلك "الغرب"، فمن يتشدد هنا تجده يذهب ليعيش هناك (في بلاد التفريط الديني) تحت عباءة الحرية الدينية، فالحرية الدينية لا تهم بالضرورة أهل الدين الواحد بعضهم البعض، وفي هذه الحالة نكون بصدد التعصب. -رئيس المحكمة السابق والخبير القانوني.. كيف يعرف التعصب؟ التعصب من وجهة نظري هو تمسك المرء برأيه مع مهاجمة الرأي الآخر ومحاولة تغييره، والتعصب بهذا التعريف يتكون من عنصرين: العنصر الأول هو التمسك بالرأي، والعنصر الثاني هو مهاجمة الآخر ومحاولة تغييره. والحرية الدينية تتطلب عدم المساس بالعنصر الأول، ووضع القوانين اللازمة للقضاء على العنصر الثاني، وهو "مهاجمة الرأي الآخر لمحاولة تغييره"، ففقهاء المسلمين لم يحاول أي منهم تغيير رأي الآخر بل حاول كل منهم أن يؤيد رأيه بأدلة. ولذلك أقول: إذا اعتبرنا الإرهاب حالة، وإذا اعتبرنا الثورة حالة ثورية، والسياسة حالة، فنحن في أشد الاحتياج إلى حالة من العمل، والعمل الحقيقي، وفي الاتجاه الصحيح، وهكذا. ولا يوجد لدينا أي معوقات، نريد أن نعمل بأفكارنا ورؤيتنا بنسائنا ورجالنا وبإمكانياتنا المتاحة دون أي مهاجمة من شخص لآخر، وأن نعمل فقط، وهذا يتطلب قوانين صالحة وجزاءات رادعة، وصلاحيات تُمنح بحسن النوايا، وهنا تتحقق الفائدة.