البعد الإفريقي أحد أهم أبعاد وأعمدة بناء الشخصية المصرية ومكوناتها الطبيعية، كما يخبرنا بذلك المفكر الراحل ميلاد حنا في سفره الأشهر «الأعمدة السبعة للشخصية المصرية»، إلا أن الأنظمة الحاكمة المختلفة، عقب انقضاء الحقبة الناصرية، عكفت على اجتثاث هذا البعد من جذور الشخصية المصرية، لتخسر مصر عمقها الاستراتيجي في القارة الأم، ومعه تخسر الدور الإقليمي المؤثر، والكثير من فرص النمو الاقتصادي والثقافي. بدأت الإدارة المصرية الجديدة تلتفت لتلك الأزمات، وسبقها تحرك شعبي في عام اندلاع ثورة 25 يناير، لحل قضية سد النهضة الإثيوبي. الدولة ممثلة في وزارة الثقافة تحركت متأخرة، وبدأت بتنظيم ندوات وفعاليات من شأنها تعزيز التواصل، وإن ظلت محصورة في إطار النخبة الفنية مثل مهرجان الأقصر للسينما الإفريقية، الذي وبالمناسبة واجه صعوبات كثيرة، إلى أن ظفر رئيس المهرجان سيد فؤاد، بدعم حكومة محلب، كان نشر كتب تتصدر القارة السمراء عناوينها، ملمح آخر لتحرك الوزارة المتأخر نحو قضايا إفريقيا، إذ أعادت قصور الثقافة نشر كتاب «بين الحبشة والعرب»، للباحث الراحل عبد المجيد عابدين، ويتناول تطور العلاقات منذ أن أسس العرب المهاجرين إلى الحبشة دولة أكسوم، إلى عهد انحلال هذه الدولة، كما يتناول نهوض الحبشة وازدهارها على يد الأسرة السليمانية، ويوضح بعض ما استبهم من تلك الصلات التي قامت بين الحبشة والعرب منذ أقدم العصور حتى العصر الحديث. الكتاب المشار إليه -على أهميته قديمًا، وأعادت الهئية نشره، دون البحث عن عناوين معاصرة تتناول الواقع الإفريقي، هناك العديد من الكتاب الأفارقة من مختلف بلدان القارة، بدأت كتاباتهم تغزو دور النشر الأوربية، ولا يعلم القاريء المصري شيئًا عنها، العديد من الدراسات الاستراتيجية الهامة عن إفريقيا والعلاقة المصرية ببلدانها، خرجت من مراكز الدراسات المختلفة، دون أن تطرح للجمهور الواسع، وظلت حبيسة النخبة المثقفة. خطوة أخرى متأخرة ولكنها ضرورية، اتخذها وزير الثقافة عبد الواحد النبوي، إذ أعلن تأسيس «وحدة أفريقيا» بوزارة الثقافة، وهي الوحدة التي من المفترض أن تعنى بدعم العلاقات والتبادل الثقافي بين مصر ودول القارة السمراء. جاء ذلك خلال انطلاق فعاليات الدورة الثانية ل«ملتقى القاهرة الدولي لتفاعل الثقافات الأفريقية»، تحت عنوان «الهوية الأفريقية في الفنون والآداب»، بمقر المجلس الأعلى للثقافة بدار الأوبرا المصرية، بعد توقف دام قارب الخمس سنوات. لم يوضح النبوي، من آليات مشروع «وحدة إفريقيا» سوى أنه سوف يعهد إلى مجموعة من الأدباء والمثقفين والفنانين، بعقد أنشطة ثقافية ترسخ الهوية الأفريقية، وهو ما يدفعنا للسؤال عن المجال الذي يعمل فيه المشروع، وهل سينحصر دوره في الأوساط المثقفة، أم أنه ذو توجه شعبي في المقام الأول؟ كما أنه لفت إلى أن الوزارة تدرس إقامة مركز ثقافي أفريقي دولي بالقاهرة، تخدم أنشطته أنحاء القارة.