البطالة، الفقر، ارتفاع الأسعار، واقع يعيشه السواد الأعظم من مواطني محافظة دمياط، التي كان يطلق عليها يابان مصر، ولم تكن تعرف البطالة إليها سبيلًا، بل كانت تستعين بعمال من المحافظات الأخرى لتعويض نقص العمالة بورشها ومصانعها التي تستوعب عددًا ضخمًا من العمال، حتى أطفال المدارس كانوا يلتحقون بالورش للعمل بها خلال الإجازة الصيفية للدراسة. الآن الوضع ينذر بكارثة، عشرات بل مئات الورش أغلقت أبوابها وسرحت العمالة، وعشرات المصانع أيضًا أغلقت، ومنها ما قلص عدد العمال لأقل من النصف، مما خلف طابورًا كبيرًا من العاطلين يتخذون من المقاهي ملاذًا لقضاء فراغهم، في ظاهرة جديدة على الشارع الدمياطي. ارتفاع أسعار الخامات وتحكم التجار فيها جعل الكثير من أصحاب الورش يغلقونها أو يغيرون نشاطها، الكثيرون حوَّلوا ورشهم من تصنيع الموبيليا واستيعاب عدد من العمال إلى محل بقالة يعمل فيه بمفرده، أو بمساعدة أحد أبنائة والتخلص من العمالة الموجودة لديه. يقول خالد الغباري، صاحب ورشة: أنا صاحب ورشة موبيليا من حوالي 20 سنة، وكان عندي أكثر من عشرة عمال بخلاف الصبيان، وكانت العملية ماشية وكله بيرزَق، لكن دلوقت الحال وقف، أنا رجعت اشتغل بإيدي ومعي اتنين صنايعية بس، بعد ما كانوا عشرة؛ لأن الخامات تمنها زاد أوي، وبدل ما كنت بقدم عشرين غرفة نوم، النهادره بقيت بقدم ستة ويمكن أقل؛ لأن مفيش سيولة أصرف على الشغل، والتاجر اللي بيشتري مننا بيتحكم فينا، كمان التاجر بتاع الخامات بيرفع الأسعار على مزاجه، ومفيش أي رقابة عليه من أي حد، يعني لما أسعار الخامات ترتفع وتزيد أكثر من خمس أو ست مرات في سنة ونص، وللأسف مش عارفين نزود تمن الشغل على المشترى ولا جنيه، التجار اللي بيشتروا مننا بيزود الأسعار على المستهلك، وبيقول أسعار الخامات زادت وهو بينقص مننا في سعرها، وبيستغل الركود اللي في السوق وفي الآخر صاحب الورشة هو اللي بيشيل الزيادة، ويضطر يشتغل حتى بيوميته علشان يحافظ على أكل عيشه. إغلاق الورش يقول رضا سالم: أنا جبتها من قاصرها وفضيت الورشة وعملتها محل بقالة، يجيب اللي يجيبه، وآخر النهار ربنا بيرزقنا، وأرحم من بهدلة الورشة والتجار اللي بتبيع وتشتري فينا، والدولة مش واخدة بالها؛ لأني بصراحة تعبت من اللي بيحصل لنا في السوق، وفي الآخر تعبنا على غير فايدة، لما ابقى راجل صاحب ورشة ويوم الخميس معرفش أقبَّض الصنايعية، أفضل استلف من الناس علشان أعطي للعمال أجورهم يبقى ملهاش لازمة الشغلانة دي. ويضيف عمرو محمود، صنايعي: أنا حاصل على بكالوريوس تربية دفعة 2008 وطبعًا مفيش وظائف؛ ولأننا في دمياط فأنا من صغري في الورشة، والحمد لله أنا صنايعي، وكنت شغال في ورشة نجارة، والأمور ماشية لكن بقى لي أكثر من ثلاثة أشهر لم أعمل؛ لإن مفيش والحالة نايمة ومن ورشة لورشة وبرده مش عاوزه تستقر، لأن أصحاب الورش معذورين، الخامة أسعارها بتزيد جدًّا ومحدش بيراقب الأسواق، وفي الآخر صاحب الورشة بيحسبها بيلاقي نفسة خسران، بيقوم قافل الورشة أو على الأقل مخفض عدد العمال اللى موجودين، وبعدين تلاقي المقاهي بقت مليانه، وتنتشر السرقات وعمليات النصب؛ لأن الناس هتجيب منين وتعيش إزاي، ومحدش حاسس بينا، وكل يوم زيادة في أسعار كل حاجة لسه يا دوب بنفوق من أسعار الخضار اللي كانت نار وكيلو الطماطم اللي كان حصَّل عشرة جنيهات، تقوم الحكومة تعلن عن فرض ضريبة على الفول والطعمية، يعني مش عاوزين يسيبوا حاجة للناس تعيش منها، حتى الفول والطعمية أكلة الغلابة عاوزين يحرموا الناس منها. ثورة جياع ويقول عادل مسعود، موظف: القادم ثورة بطون، ثورة جياع، الحكومة مش قادرة على رجال الأعمال والمستثمرين بتخاف منهم فبتيجي على الغلبان، الدعم بيترفع واحدة واحدة ومفيش تموين ولا زيت ولا سكر وبنزين 80 بيلغوه بتاع الغلابة، والفول والطمعية والمخلل كمان أسعارها هتزيد؛ لأن بيقولوا فيه ضرائب جديدة هتفرض عليهم يبقى لسه فيه إيه للناس؟ معدش خلاص، الناس دي هتخرج للشوارع في ثورة هتاكل كل اللى ييجي في سكتها؛ لإن اللي بيحصل للغلبان في البلد دي حرام، أنا كنت بخرج من وظيفتي بروح ورشة اشتغل نص يوم علشان أجيب حاجة تساعد في مصروف البيت، خلاص معدش فيه ورشة عاوزة تشغلني، يقولك يا تيجي من الصبح يا إما بلاش، طيب أنا موظف ومرتبي 1200 جنيه بدفع إيجار 550 جنيهًا دا غير الميه والكهربا والغاز، وبخلاف أكلنا وشربنا والمدارس، وأنا عندي 3 أولاد بالمرحلة الابتدائية، وكلهم كانوا بياخدوا دروس يعني ال1200 جنيه مكنوش بيكفوا الإيجار والدروس، وبقيت مصاريفنا كانت بتيجي من شغلي في الورشة، النهارده مفيش ورشة وومفيش حلول عايشين في ضغط نفسي ربنا هو الأعلم به. ركود السوق وتتعرض المحافظة لموجة من غلاء الأسعار تكاد تعصف بشريحة كبيرة من المواطنين؛ بسبب الركود التي تشهده سوق الموبيليا ويتسبب في إغلاق الكثير من الورش والمصانع، فيجد المواطن نفسة بين مطرقتين، الأولى تراجع الدخل وربما البطالة، والثانية ارتفاع جنوني في الأسعار ربما يكون يوميًّا. ويضيف عامر سعد: كنا نأمل في تغيير وضع البلد للأحسن، وكنا أيضًا نتمنى أن تحدث نقلة نوعية في حياة المواطن البسيط، حتى ولو بتوفير الحد الأدنى من متطلبات الحياة، لكن ما حدث العكس، تردٍّ في الأوضاع الاقتصادية تدنٍّ في مستوى الدخل يصاحبه ارتفاع مستمر في الأسعار، بالإضافة لعدم توفر السلع التموينية التي كانت تخفف عن المواطن إلى حد ما، مع الإعلان اليومي عن فساد المفتشين بمؤسسات البلد كلها وسرقة مقدراتها، فماذ ينتظر إذن من الشريحة العظمى في هذه البلد إلَّا ثورة على هذه الأوضاع التي ساءت فيها حالتهم إلى أقصى درجة؟ فلينتظر الجميع ثورة حقيقية على هذا الظلم الطبقي الذي يمارس ضد الغلابة في هذا الوطن الذي نشعر فيه بالغربة.