رغم اختلاف محافظيها وتعددهم، فإنهم لم يكلفوا أنفسهم عناء البحث عن الدواء الناجع لمشكلاتها، وإنما اكتفوا أو استسهلوا العلاج بالمسكنات؛ مما ضاعف من مشكلاتها ومعاناة مواطنيها. كما ضاعف من معاناة مواطنى الغربية عدم اهتمام محافظيها بصحة أبنائها صغارًا وكبارًا؛ بسبب تلوث مياه الشرب، والتى لم تعد صالحة فى معظم الأماكن للاستهلاك الآدمي؛ بسبب إلقاء الصرف الصناعى والصحى فى نهر النيل بفرعيه "رشيد" و"دمياط"، بالإضافة إلى لجوء بعض الفلاحين إلى رى زراعاتهم بمياه الصرف الصحي؛ لعدم وصول مياه الرى إلى أراضيهم، خاصة فى نهايات الترع؛ مما يؤدى إلى تلوث المحاصيل بيولوجيًّا، ومن ثم خطورتها على صحة وسلامة المواطنين، الأمر الذى أدى إلى زيادة عدد المصابين بالفشل الكلوى والكبدى على مستوى مراكز المحافظة الثمانية. ولعل خير دليل على ذلك هو الأعداد الغفيرة من المرضى المترددين على مراكز الكلى والكبد والأورام بنطاق المحافظة وحدها. وأصبح قدر محافظة الغربية أن تستقبل كل الوجوه الجديدة التى تنعم عليها بالعمل بالمحليات؛ لتكون المكان الوحيد على مستوى الجمهورية للتدريب والتجريب في الشعب الغرباوي؛ ولذلك فإن البنية التحتية للمحافظة لم يطرأ عليها تغيير سوى مرتين: الأولى في عهد اللواء الشافعي الدكروري، والثانية على يد اللواء محمد نعيم محافظ الغربية. والغريب أن ثلاثة من محافظي الغربية كان مصيرهم غياهب السجون، بدءًا من المستشار فكرى عبد الحميد، الذى تولى المسئولية بداية من عام 1982وحتى عام 1991 للمرة الأولى في تاريخه والأخيرة كمحافظ، وخلال 9 سنوات كاملة لم يقدم جديدًا للمحافظة، وتفاقمت مشاكلها وأزماتها، حتى تم استبداله بالدكتور يحيى حسن القادم من شركة المطاحن الكبرى، ولكن القدر لم يمهله لأكثر من 3 أشهر بالمحافظة، حيث اتهم فيما عرف وقتها بقضية الدقيق الكبرى، والتي زج به على أثرها في السجن في نفس العام الذي تولى فيه المسئولية، وهو عام 1991؛ ليخلفه المستشار ماهر الجندي أشهر من تولى المحافظة خلال القرن الماضي، وكان محافظًا سابقًا لكفر الشيخ، ولكنه لم يستمر كثيرًا؛ ليظل في الغربية منذ عام 1991وحتى عام 1997، واشتهر خلالها بمحافظ النوافير، حيث حرص على تجميل المحافظة بعدة نوافير، واشتهر بعلاقاته المثيرة برجال الأعمال ومذيعات القناة السادسة وقت كان رئيسها عبد الخالق عباس، كما عرف بعلاقاته الوطيدة بالكاتب الصحفي سمير رجب وتمكنه خلال فترة عمله من جمع ثروة كبيرة وعدد كبير من العقارات والأراضي، وتم نقله بعدما أثيرت حوله الشبهات لمحافظة الجيزة، حيث وجهت له اتهامات بالتربح واستغلال النفوذ إبان وجوده بمحافظة الغربية، وحكم عليه بالسجن لمدة 7سنوات، قضاها وخرج بعدها حطامًا، وتوفي بعد اشهر من خروجه من محبسه. ثم تولى الدكتور أحمد عبد الغفار مسئولية المحافظة لأول ولآخر مرة في تاريخه ولمدة عامين فقط، بدأت من عام 1997وحتى عام 1999،وتميز الرجل – رحمه الله – بمحاولته محاربة الفاسدين وذيول سابقه الجندي، ولكنه اصطدم بأباطرة الحزب الوطني المنحل، الذين ضاقوا ذرعًا به وبإصراره على تنفيذ القانون، فلم يمكنوه من الاستمرار، ونجحت رءوس الفساد في إقصائه عن منصبه، بعدما كان مواطنو المحافظة قد استبشروا به خيرًا، وعقدوا عليه آمالاً عريضة لمحاربة الفساد. وتولى بعده الدكتور فتحي سعد، أستاذ علم الدواجن، لمدة 5 سنوات، بداية من عام 1999وحتى 2004، ولكنه انشغل بصراعاته مع عدد من رجال الأعمال وتصفية حساباته معهم، وعلى رأسهم رجل الأعمال وعضو مجلس الشعب وقتها عبد السميع الشامي، في أشهر خلاف سياسي شهدته المحافظة، وكان من نتيجة ذلك حرمان مدينة المحلة من أضخم مشروع للصرف الصحي؛ لتبرع الشامي بالأرض، ووصل الأمر بسعد لامتناعه عن تكريم أبطال عالميين للرياضة؛ لانتمائهم لنادي بلدية المحلة الذي كان يرأسه وقتها محمود الشامي نجل عبد السميع الشامي، بما في ذلك امتناعه عن حضور مباريات الدوري الممتاز التي تكون البلدية طرفًا فيها. ووجهت لفتحي سعد عدة اتهامات بأنه وراء تضخيم ما يثار عن إنفلوانزا الطيور؛ لشراكته في شركة إنتاج اللقاح المعالج للمرض، وأنه حقق أرباحًا طائلة من وراء ذلك، وهو ما أكده الدكتور نادر المليجي عضو مجلس الشورى وقتها عن الحزب الوطني المنحل، ولم يتفق سعد إلا مع قلة من رموز الوطني التقت معهم مصالحه، وتم نقله بعدها للجيزة. وتبعه المهندس الشافعي الدكروري صاحب البصمة الأهم في تاريخ المحافظة، وتولى المسئولية لمدة 4 سنوات، بدأت عام 2004، وانتهت عام 2008، وكان قادمًا من الهيئة القومية لمياه الشرب والصرف الصحي، وساعده ذلك كثيرًا على تطوير شبكات الصرف الصحي وإحداث طفرة هائلة في مجال المياه والصرف الصحي، وما زالت محافظة الغربية تذكر له هذا، وهو أحد المحافظين القلائل الذين زار المخلوع حسني مبارك المحافظة على عهده؛ لافتتاح محطة مياه وصرف صحي، بصحبة أحمد المغربي وزير الإسكان الأسبق. ثم تولى اللواء عبد الحميد الشناوي لأول ولآخر مرة في حياته كمحافظ، حيث كان لواء بقطاع أمن الدولة، وقضى فترته يدير المحافظة بنفس نظام أمن الدولة، وظل الشناوي حتى خرج إثر ثورة 25 يناير، بعد أن حاول مرارًا وتكرارًا احتواء الثورة والثوار، ولكنه فشل في ذلك، خاصة أن خلفيته الأمنية منعته من الالتحام مع الجماهير التي لفظته؛ ليتم بعدها الاستعانة باللواء محمد الفخراني، الذي لم يتم عامًا في العمل بالمحافظة، ويكاد يسقط من تاريخ الغربية؛ نظرًا لقصر الفترة التي قضاها بالمحافظة وحرصه على إرضاء شباب الثورة وبعض أعضاء الأحزاب السياسية؛ حفاظًا على منصبه وقتها. وتم بعدها الاستعانة بالمستشار محمد عبد القادر رجل القضاء، الذي لم يكن يتمتع بالحسم الكافي لحل مشاكل المحافظة، وفي عهده تمكن الإخوان من سدة الحكم، ومنحوه وعودًا براقة بالتجديد له، وعينوا له محافظين للظل كانوا هم المحافظين الحقيقيين، وهم: المهندس خالد شلش العضو الأبرز في الجماعة وعضو مجلس الشورى عن الإخوان، والمهندس فايز حمودة رئيس لجنة التنسيق بين الأحزاب ونقيب المهندسين بالغربية، الذي انضم لقافلة الغخوان بعد الثورة، وفتح لهم نقابة المهندسين على مصراعيها، وهو محل تحقيقات موسعة الآن، وظل عبد القادر حبيس مكتبه ورهن إشارة الإخوان، حتى تردد أنه وقع على استمارة لحزب الحرية والعدالة، ورغم ذلك فوجئ بالإطاحة به في حركة المحافظين الإخوانية التي جاءت بالدكتور أحمد البيلي، الذي دخل المحافظة على أسنة الرماح، تحميه كتيبة الإخوان، في مشهد لم تشهده المحافظة من قبل؛ ليقضي البيلي أقل فترة كمحافظ للغربية، دخل بها الموسوعة، حيث لم يمر على توليه المسئولية أسبوعان وهرب بعدها من الباب الخلفي للمحافظة؛ ليتم القبض عليه، وتوجه له تهمة إثارة الشغب والتحريض على العنف، وهو الآن يقضي عقوبة السجن كثالث محافظ للغربية يخرج من المحافظة على مصلحة السجون. وتم بعدها إسناد المهمة للواء الدكتور محمد نعيم القادم من مجلس الوزراء للمحافظة، واستطاع خلال فترة عمله القصيرة التي لم تتجاوز عامين أن يغير من وجه المحافظة، ويحقق إنجازات عجز محافظون عن إنجازها على مدار 30 عامًا، وترك بصمة على غالبية شوارع وكباري وأنفاق المحافظة، واستطاع أن يفرض نوعًا من الالتزام بين الموظفين والمديرين؛ لحسمه وحزمه، وإن كان يعاب عليه سوء تعامله أحيانًا مع مرءوسيه واتخاذ قرارات سريعة وغير مدروسة أحيانًا؛ في محاولة لفرض كلمته ومحاصرة الفساد، ولم يؤثر عن نعيم تورطه في علاقات مشبوهة أو وقائع فساد أو مجاملات لقريب أو بعيد أو منحه استثناءات لأحد. والآن أهالي الغربية ما زالوا ينتظرون ما سوف يقدمه سعيد مطفى كامل القادم من قطاع البترول؛ ليجرب حظه من جديد فيهم، وليتدرب على مهنة محافظ، فبعد مرور 100 يوم على تعيين سعيد مصطفى كامل محافظ الغربية الجديد، تسود حالة من الاستياء والسخط بين الأهالى بمدن المحافظة الثمانية، لا سيما طنطا والمحلة؛ بسبب التخبط والعشوائية التى تعيشها المحافظة، خاصة أن كامل يسير على خطى المحافظ السابق اللواء نعيم وإنجازاته التى يتفاخر بها الأهالى، ويطالبونه بالحفاظ عليها واستكمال مسيرة الإنجازات والمشروعات التى ما زالت معلقة ومتوقفة، خاصة على مستوى صلاحية مياه الشرب الملوثة ومشروعات الإسكان الاجتماعى التى توقفت تمامًا لأسباب مريبة. فمنذ رحيل المحافظ السابق وتولى المحافظ الحالى تسود حالة من التراخى بين أجهزة المحافظة، حيث عاد الإهمال والتسيب بالمستشفيات العامة ووحدات المرافق الاجتماعية والخدمية، بلا حسيب ولا رقيب! وكان كامل قد بدأ عمله بالمحافظة بإعلانه أن مكتبه مفتوح على مصراعيه للمواطنين، وبعد أقل من شهر أغلق بابه فى وجه الناس، وبدأ يرحِّل أصحاب الشكاوى والمطالب الملحة للسيدة سامية محرز سكرتير العام المحافظة واللواء طلعت عبد الحميد السكرتير المساعد، وبدون قرار بحل المشكلة، فلا يجد المواطن سوى المماطلة. وفجأة وجد المواطن الغرباوى نفسه يقف "محلك سر"، فلا جديد على مستوى التجميل والتطوير وتنفيذ المشروعات التى توقفت، وحتى تطوير نفق سعد زغلول بطنطا والشهير ب "نفق ستوتة" يسير العمل فيه ببطء قاتل. وبعد أن كان مقررًا افتتاحه قبل شهرين، أصبح العمل فيه يمضى بسرعة السلحفاة، وقبل أيام قليلة فوجئ أهالى العاصمة بالمحافظ يوافق على إعادة الباعة الجائلين لسوق الخان أشهر الشوارع التجارية بالعاصمة، بعد أن نجح المحافظ السابق فى إخلائه من مافيا الباعة والبلطجية والذين استمروا عدة سنوات. وعندما هاج الرأى العام، أكد المحافظ أن وجود الباعة مرتبط فقط بشهر رمضان، ووعد الأهالى بترحيلهم فور انتهاء الشهر الكريم. كما استنجد أهالى طنطا بالرئيس السيسى؛ لإنقاذ الغربية من المصير المجهول الذى تسير إليه، بعد تراجع الخدمات وإهدار المال العام؛ بسبب توقف عدد من المشروعات الحيوية دون مبرر، كما حدث فى مشروع الوحدات السكنية الاجتماعية بأرض مجزر طنطا والوحدات الاستثمارية بأرض مجزر المحلة وتأجيل تنفيذ مشروع مصانع تدوير القمامة بطنطا 6 شهور، رغم التعاقد على تنفيذه فى موعده، وعدم نقل سوق الحكمة حتى الآن، رغم إقامة السوق فى منطقة العجيزى، فضلاً عن التراخى فى متابعة رؤساء المدن والوحدات الخدمية والمستشفيات العامة. أما على مستوى مياه الشرب فحدث ولا حرج، فالمياه تصل لمنازل المواطنين بشكل ولون ورائحة مختلفة، ورغم شكاوى المتضررين بمناطق مختلفة بطنطا وباقى مدن المحافظة الثمانية وتقديمهم صورًا للمياه بلونها الأسود الذى لا يتغير مع الاستخدام، إلا أن المحافظ لم يحرك ساكنًا حتى هذه اللحظة. وسوف تخبرنا الأيام القادمة عن مصيره: أين سيذهب فى نهاية المطاف؟