ما أتعس الإنسان المصري، خاصة السكندري! فحتى المياه أول مصادر الحياة أصبحت أخطر ما يهدد حياته وصحته.. فبات يعاني من ذلك الواقع الأليم الذي نكد عليه حياته من تلوث المياه، خاصة البسطاء الذين لا يستطيعون شراء فلتر لتنقية المياه أو زجاجات مياه معدنية للشرب، بعد فوضى تلوث مياه الشرب من فوسفات وبترول، إضافة إلى الملوثات المتوطنة في المياه من صرف صناعي وصرف صحي وقمامة وحيوانات نافقة، وإلخ إلخ إلخ. وإزاء إصرار المسئولين على تأكيد سلامة ونظافة مياه الشرب وعمل محطات التنقية على أكمل وجه، قامت "البديل" برصد أبرز الانتهاكات في هذه القضية المصيرية بالإسكندرية. ففي مدينة برج العرب الجديدة يعاني الأهالي من تلوث المياه؛ باعتبارها آخر محطة بخط مياه الشرب القادم من ترعة "بهيج"، والتى لا تأخذ من النيل مباشرة، فقبلها كثير من القرى التى تقوم بإلقاء الصرف الزراعى بها وزيادة نسبة الأملاح بالمياه التى تغير من لونها ومذاقها؛ مما جعل العديد من أهالى المدينة مرتادين لقسم الفشل الكلوى بمستشفى برج العرب العام. وكانت وزارة البيئة قد ذكرت فى تقريرها الأخير أن عددًا من المصانع والشركات بالإسكندرية أوقف الصرف الصناعى بالترع الرئيسية لمياه الشرب بالإسكندرية، وهي الشركة الشرقية للدخان، وكانت تصرف يوميًّا 450 لترًا على مياه ترعة المحمودية، ومصنع الملح والصودا بكرموز، وكمية الصرف كانت 650 لترًا، والنيل للكبريت بمحرم بك، وكمية الصرف بلغت 530 لترًا، وشركة النصر للملابس والمنسوجات "كابو"، وتصرف 550 لترًا، ومصنع الملح والصودا بمحرم بك، وكان يصرف 530 لترًا يوميًّا، وشركة الإسكندرية للزيوت والصابون بالنزهة، وتصرف 650 لتر صرف صناعى بترعة الإسكندرية الرئيسية، وشركة النقل والهندسة، والإسكندرية للحلويات والشيكولاتة، وشركة الزيوت المستخلصة، ومطابع محرم بك الصناعية، وشركة "نيازا"، ومصنع الزيوت فرع محرم بك، والشركة المصرية للأغذية. ولكن وفقًا لبعض المصادر فى عدد من هذه المصانع فإنها ما زالت تلقى بالصرف الصناعى فى الترع الرئيسية بالإسكندرية دون رقيب من جهاز شئون البيئة، بالإضافة إلى أن سكان منطقة الطابية أرسلوا العديد من الشكاوى؛ بسبب تخلص شركتي أبو قير للأسمدة و"راكتا" للورق من الصرف الصناعى فى خط مياه الشرب الرئيسي. وعن الصرف الصحى الذى يختلط بمياه الشرب، فحدث ولا حرج، وعلى سبيل المثال توجد مواسير خاصة بمحطة الصرف الصحى بمنطقة أبو سليمان بحى رمل ثانٍ، تمر من أعلى ترعة المحمودية، وقد تعرضت للكسر عدة مرات متتالية، وكان نصيب ترعة المحمودية أن تمتلئ بمياه الصرف الصحى لحين حضور عمال شركة الصرف الصحى لإصلاحها. كما تمتلئ ترعة المحمودية لآخرها بطمى النيل بغزارة، دون أن يمر مسئول الرى لانتشاله، بجانب تراكم القمامة بجنبات الترعة وبداخلها، ناهيك عن المخلفات الصلبة وإلقاء الحيوانات الميتة بها. وأضاف مصدر مسئول بشركة مياه الشرب بالإسكندرية (رفض ذكر اسمه) أن من مصادر تلوث المياه تهالك شبكات المياه، فتحدث كسور بها وصدأ؛ لعدم عمل صيانة دورية لها؛ مما يؤثر على جودة المياه ونقائها. من جانبه قال الدكتور محمد مجدى أستاذ البيئة المائية بكلية العلوم إن أخطر أنواع تلوث المياه هو الناتج عن الصرف الصناعى؛ لأنه يلوث المياه بمعادن ضارة بها مادة الرصاص والزرنيخ والزئبق التى تصيب صحة الإنسان بأمراض عديدة، لاقتًا إلى أن تنقية المياه بالكلور والمطهرات تقتل البكتريا فقط، ولكن لا تنقى المياه من المعادن. وأكد الدكتور سمير عبد النبى طبيب بمستشفى الحميات أن تلوث مياه الشرب يسبب الكثير من الأمراض، مثل الكوليرا والنزلات المعوية والإسهال لدى الأطفال وكبار السن، وإصابتهم بالطفيليات، كالدوسنتاريا والأميبا والبلهارسيا، مشيرًا إلى أن زيادة الأملاح والمعادن بالمياه تسبب أمراض الفشل الكلوى وسرطان الكلى. وبدورهم قام المسئولون بإصدار بيان رسمي منذ ثلاثة أيام بعد أزمة تسريب البترول بترعة الإسكندرية، يفيد بأخذ 380 عينة من المياه بالإسكندرية من أماكن مختلفة، وأنه بتحليلها كانت النتائج مطمئة للغاية، و"أن المياه صالحة للاستهلاك الآدمى". وقال المستشار محمد خطاب رئيس المركز المصرى لمكافحة الفساد إنه لا بد وأن تتضافر جهود وزارة البيئة والرى والموارد المائية والتنمية المحلية والإعلام؛ لمناقشة ملف تلوث مياه النيل، ووضع ضوابط وقوانين حاسمة ضد كل من تسول له نفسه، سواء فرد أو جهة أو منشأة، أن يلوث مياه النيل، مطالبًا بتشديد الرقابة على المحطات التى تقوم بتحلية وتحليل المياه وإنشاء محطات مستقلة لمعالجة مياه الصرف الصناعى، والاهتمام بتطهير وصيانة شبكات المياه، خاصة القديمة منها. وقامت مراسلة "البديل" بالاتصال بالمهندس أحمد جابر رئيس شركة المياه بالإسكندرية؛ لمعرفة جهود الشركة ونشاطها فى مواجهة كل هذا الكم الهائل من شكاوى المواطنين ودور الشركة فى الحد من هذه الظواهر، ولكنه لم يرد عليها.