ساعات تفصلنا على انتهاء الانتخابات البريطانية التي تشهد منافسة كبيرة بين حزب العمال والمحافظين (الحاكم ) بزعامة ديفيد كاميرون في صراع يصعب التكهن بنتائجه، حيث إن تشكيلة الحكومة المقبلة ستكون رهينة تحالفات ومشاورات مكثفة، ويزيد احتمال خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي حال فوز حزب المحافظين في الانتخابات، حيث وعد كاميرون بإجراء استفتاء حول العضوية بحلول 2017. في المقابل حذر عدد من قادة الشركات والمستثمرين من أن وصول حزب العمال المعارض قد يضر باقتصاد البلاد الذي يعاني عجزًا بنحو 90 مليون جنيه إسترليني (120 مليار يورو، 140 مليار دولار)، ومع استبعاد احتمال فوز أي من الحزبين الكبيرين بأغلبية تؤهله لتشكيل حكومة وتزايد نفوذ الأحزاب الصغيرة، فمن المرجح أن تكون تلك الانتخابات مؤشرًا على تقلص سياسة الحزبين التقليدية في بريطانيا وصعود سياسة الأحزاب المتعددة المنتشرة في أوروبا. ويتولى المحافظون السلطة في البلاد ضمن حكومة ائتلاف مع الليبراليين الديمقراطيين منذ 2010، ويعتقد أن تسفر الانتخابات عن حكومة أقلية تدعمها قاعدة غير رسمية من الأحزاب الصغيرة، إلا أن المراقبون البريطانيون وصفوا تلك الانتخابات ب«الاستثنائية»، متوقعًين أن تقود إلى شكل من أشكال الحكومة المتعددة الأحزاب «وربما أقل استقرارًا من تلك التي تم تشكيلها عام 2010». التوقعات مختلفة ومتغيرة كل يوم لكن بفروق طفيفة، وتشير استطلاعات الرأى إلى احتمالية فوز حزب المحافظين ب33٪ من مقاعد مجلس العموم البريطاني من الأصوات، وحزب العمال بنسبة مماثلة، بينما أشارت استطلاعات أخرى إلى احتمالية أن يكون الفرق بين الحزبين ثلاث نقاط لصالح العمال. طبيعة النظام الانتخابي في بريطانيا تجري الانتخابات العامة في بريطانيا مرة كل خمس سنوات على الأقل (مدة الدورة البرلمانية)، وهناك 650 دائرة في بريطانيا حيث كل دائرة انتخابية في المملكة المتحدة تنتخب نائبا واحدا لشغل مقعد فى مجلس العموم، هذا وينتخب أعضاء البرلمان من خلال نظام الأغلبية البسيطة، حيث يصوت كل شخص لمرشح ما في دائرة بعينها «فردي»، وفي حال حصول المرشح، حزبيا أو مستقلا، على معظم الأصوات يصبح نائبا عن تلك الدائرة الانتخابية. والأغلبية المطلقة تحقق بالحصول على 326 مقعدا، وتمكن الحزب الفائز بالحكم منفردا وفي حالة عدم تحقيق الأغلبية يوجد خياران الأول تشكيل تحالف مع حزب آخر على الأقلّ، أو السعي إلى تشكيل حكومة أقلية مدعومة من حزب أو من عدّة أحزاب صغيرة، فخلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في عام 2010، لم يحصل حزب المحافظين حزب الوزير الأوّل المنتهية ولايته، ديفيد كاميرون على الأغلبية؛ فاضطرّ للتحالف لمدّة خمس سنوات مع الليبراليين الديمقراطيين بقيادة نيك كليغ، نائب الوزير الأوّل المنتهية ولايته. تقليد الثنائية الحزبية المتمثلة من جهة في حزب المحافظين ومن جهة أخرى حزب العمال هو تقليد تاريخي، لكن ظهور قوى سياسية أصغر يظهر حسب البعض انعدام الثقة في هاتين الدعامتين للحياة السياسية في بريطانيا إلا أن كل الأنظار تتجه إليها هذه المرة في ظل عدم تمكن حزبي "الثنائية التاريخية" من تحقيق الأغلبية. أبرز المنافسين ورسائلهم في الأيام الثلاثة الأخيرة من الحملة الانتخابية، دأب رئيس الوزراء المحافظ "كاميرون" وزعيم المعارضة "ميليباند" على توجيه رسائل واضحة إلى الناخبين بشأن الخيارات التي أمامهم، قال كاميرون إن «هذه بداية أسبوع ستقرّر فيه بريطانيا مستقبلها، وبعد انتهاء الانتخابات سأكون أنا أو إيد ميليباند رئيسا لوزراء البلاد»، مشيراً إلى أن «الأمر بسيط، فالخيار لا بد منه: إما أنا بقيادة حكومة قوية ومستقرة، أو هو والفوضى التي ترافق الارتهان إلى الحزب القومي الاسكتلندي». من جانبه؛ رأى ميليباند أن الانتخابات هي «صدام بين رؤيتين» حول الرواتب والصحة والشباب، محاولا أن يعلّق المعركة الانتخابية على الخطط المختلفة بين المتنافسين على نظام الصحة الوطنية الممولة من الحكومة، قائلاً: «في الأيام القليلة الأخيرة من هذه الانتخابات العامة، مستقبل نظام الصحة الوطنية أمام أكبر خطر يواجهه منذ جيل»، مؤكداً أنه «لا يوجد خيار في هذه الانتخابات أكبر من التوجه المستقبلي لنظامنا للصحة الوطنية الذي يعتبر ركيزة الأمان للعديد من أبناء الطبقة العاملة في بلادنا». و قام ميليباند بخطوة غير مسبوقة، حيث حفر وعوده الانتخابية الستة على لوح حجري بارتفاع 2,6 متر، ما أثار الكثير من السخرية في الصحف البريطانية، ونالت هذه الخطوة نصيبها من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، لكن مع ذلك، يأمل ميليباند نصب اللوح الصخري، الذي يشتمل على وعود من بينها «العمل بشأن إيجارات العقارات» و«نظام الصحة الوطنية مع منح الوقت للرعاية»، في حديقة مقرّ الرئاسة في «10 داوننغ ستريت» في حال فوزه، ولكن التمني والأمل مختلف عن الواقع، فالحملة الانتخابية التي تتمحور حول ثلاث قضايا أساسية، هي الاقتصاد والصحة والهجرة، لم تنجح حتى اللحظة في ضمان تفوّق «المحافظين» (في السلطة منذ 5 سنوات) أو «حزب العمال» المنافس في استطلاعات الرأي. مواقف سياسية حيال قضايا الشرق الأوسط على صعيد السياسة الخارجية، فإن مساحة الاتفاق تبدو أكبر حول قضايا الشرق الأوسط، وخطر تنظيم «داعش»، وفى حديث إعلامى قبل أيام أعرب رئيس الوزراء البريطانى، زعيم حزب المحافظين، ديفيد كاميرون، عن تقديره لزعيم المعارضة إيد ميلباند، عندما أيّد القرار بالمشاركة فى العملية العسكرية ضد داعش فى العراق، لكن طبقا للتوقعات السائدة فإن أي حكومة يقودها ميلباند ستكون أكثر إحجاما عن أي تدخل عسكرى بعد تجربتها فى حرب العراق عام 2003، أما كاميرون فقد يكون أكثر استعدادا للتدخل الخارجي، إذا تمكن من تشكيل حكومة أغلبية. أما فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية فالأمر الذي يميل إليه ميلباند، ويؤيده الكثير من نواب حزبه، هو إقامة الدولة والاعتراف بها بصرف النظر عما ستؤول إليه المفاوضات، لكن موقف «المحافظين» بزعامة كاميرون ما زال يرى ضرورة التوصل إلى ذلك عن طريق المفاوضات، رغم الموقف المتشدد لهذه الحكومة بخصوص مستوطنات الضفة الغربية.