بحسب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فإن من يشرف على مفاوضاتنا مع السودان وإثيوبيا بخصوص ملف سد النهضة هو جاسوس إسرائيلي، ولا عزاء للأمن القومي إلا فيما يخص القمع وكبت الحريات، وإخفاء ما يحاذر النظام كشفه لصالحه، لا لصالح الوطن. محمد دحلان، القيادي المفصول من حركة فتح الفلسطينية، والهارب من حكم بالسجن، يشرف على أهم ملفات الأمن القومي المصري بتكليف من الحاكم بأمره في أمرنا الرئيس السيسي، وهو ما كشفت عنه مؤخرا مجلة نيوزويك الأمريكية. الرجل بعيدا حتى عن اتهامات عباس له بالعمالة للكيان الصهيوني، طالما عُرفت عنه علاقاته الوثيقة بعديد من المسؤولين الإسرائيليين، أمثال لامنون شاحك، ويوسي غينوسار، ودوف فايسغلاس، وحاييم رامون، ويعقوب بيري، رئيس جهاز الشاباك الأسبق، الذي ذكر في كتاب له أنهم طالبوا دوما بأن تكون حقيبة الداخلية من نصيب دحلان، هذا بجانب علاقاته الوثيقة بعدد من رجال المخابرات الأمريكية، كجوروج تينت، رئيس السي أي إيه الأسبق. وبعد صدام دحلان مع عباس، ثم اتهام الأخير له بالفساد المالي، والتورط في مقتل الراحل ياسر عرفات، والتجسس لصالح إسرائيل؛ انتقل دحلان إلى الإمارات، وأصبح مستشارا أمنيا لولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، وبفضل علاقاته القوية بالمسؤولين الصهاينة ساعد على التقريب بين أبو ظبي وتل أبيب، واستغل خبرته في مجال تجارة السلاح، التي أخرجتها للعلن اتهامات السلطة الفلسطينية ووثيقة قديمة ل"ويكليكس" تتحدث عن شحنه لصفقة سلاح إسرائيلي إلى نظام القذافي، هذه الخبرة وظفها لصالح الإمارات، لتسهيل استثمارات ضخمة في مجال السلاح بصربيا، ساعدته على إقامتها علاقاته بمسؤولي صربيا والجبل الأسود التي حصل على جنسيتها، بعد غسيله أموالا بها اختلسها من عمله بالسلطة الفلسطينية، كما يشاع. أموال الإمارات ساعدت دحلان، على تحسين علاقاته بقيادات حركة حماس، من خلال نقله إليها تبرعات للأسر المحتاجة ومساعدات لأسر المصابين والقتلى الذين سقطوا خلال عملية "الجرف الصامد". بعد عداوة طويلة مع حماس يسعى دحلان عبر التقرب إلى قياداتها لتشكيل تحالف يواجه به محمود عباس! نقل الأموال الإماراتية لا يقوم به دحلان لغزة فقط، بل وداخل مصر أيضا، حيث يلعب دور الوسيط بين أبو ظبي والصحف والفضائيات التي تمولها. تمويل حركة يعتبرها النظام جماعة إرهابية، وتمويل مؤسسات داخل مصر في الوقت الذي غُلظت فيه عقوبة تلقي تمويل أجنبي لتصل إلى السجن المؤبد؛ لم يمنع التعاون مع دحلان، بل وتكليفه بالإشراف على ملف هو الأخطر بين ملفات أمننا القومي، رغم علاقات الرجل المتشعبة والمشبوهة. عندما تعالج القضية الأكثر خطورة لأمننا القومي عبر رجل هذا تاريخه وتلك علاقاته، مع تجاهلنا كونه ليس مصريا؛ فإن من حقنا أن نسأل عن ماهية مفهوم الأمن القومي لدى حكامنا الجدد، وهل هو مجرد يافطة يرفعونها فقط عند الحاجة لإخراس الألسنة حول الموضوعات التي يرغبون في إخفائها عن الرأي العام؟. خلاصة القول: هذه الواقعة تثبت أن الأمن القومي بعهد السيسي، يُعالج بنفس نهج جهاز الكفتة، الذي روج به الجيش لحكمه.