أُصطلح إعلاميا على تسمية الاتفاق التمهيدي بين إيران ودول 5+1 الموقع قبل ثلاثة أيام اتفاق «لوزان» النووي تميزاً للاتفاقات السابقة التي عٌقدت في المدينة السويسرية خلال القرن الماضي، حيث تمت الجولة الأخيرة من المفاوضات حول برنامج إيران النووي والذي بموجبها تم توقيع اتفاق تمهيدي رسم خطوط الاتفاق التفصيلي النهائي الذي سيتم توقيعه في يونيو القادم، ليبدأ الطرفان تنفيذ تعهداتهما وهو ما يطوي -حال توقيعه والالتزام به- صفحة الملف النووي الإيراني كأحد محاور النزاعات السياسية في المنطقة والعالم. أولاً يجب الإشارة إلى بديهية تتعلق بجوهر التفاوض السياسي بين الدول في العصر الحديث، حيث أن سمة المفاوضات السلمية -أي التي لا تأتي على خلفية صراع عسكري بين منتصر ومهزوم لبحث شروط الاستسلام- لا يوجد بها منتصر أو مهزوم، بل هي مفاضلة وموائمة تلزم طرفيها بالتزامات تحقق حد أدنى من التنازلات وحداً أقصى من المكاسب تحت مبدأ ما هو ممكن وما هو متاح وبخطوط حمراء من الجانبين. وعلى ضوء هذا لا يصح القول أن هناك طرف مهزوم أو طرف رابح في المفاوضات الأخيرة، بل أن الطرفان خرجا بنتائج ترضي كليهما على ضوء معطيات وحسابات سياسية تختلف من منظور كل طرف، لكنها في النهاية تتوافق مع مصلحة كل طرف. وتعتبر جولة المفاوضات الأخيرة في لوزان مثال بارز على السابق، حيث استطاعت طهران انتزاع حقها النووي والتخلص من العقوبات الاقتصادية، وضمان عدم سرمدية الاتفاق طبقاً لمبدأ تغير الظروف التي قد تجعل ما هو انجاز اليوم اخفاقاً في الغد، بالإضافة إلى تفاصيل تقنية اخرى تتعلق بحقها في إدارة واستمرار تشغيل أجهزة الطرد المركزي، واستمرار الابحاث العلمية النظرية والتجريبية على النظائر المشعة، بالإضافة إلى عدم إغلاق بعض مفاعلاتها النووية كما كان مطروح سابقاً، بل فقط تخفيض العمل بها أو تطويرها إلى صيغة بحثية، كما هو الحال في مفاعل"فوردو" الذي كان يُعتقد طبقاً لاتفاق بدء المفاوضات عام 2013 بأنه سوف يتوقف عن العمل، وهو الاتفاق الذي أنتزع من خلاله اعتراف دولي بحق إيران في امتلاك برنامج نووي، بعدما كانت الدول الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة ترفض حتى وجود جهاز طرد مركزي واحد، وكان أمل الإيرانيين قبله أن يحوزوا فقط على شرعية 3000 جهاز طرد مركزي، والأن بعد الاتفاق الأخير أصبح وجود وتشغيل ما يتجاوز 6000 آلاف جهاز شيء شرعي بموجب اشتراط أن يكونوا من الجيل الأول و على أن أهمية اتفاق لوزان لا تقف فقط عند الملف النووي بكافة تفاصيله والنتائج التي ترتبت عليه منذ البدء في تنفيذه في تسعينات القرن الماضي وأبرزها العقوبات الاقتصادية التي خنقت الاقتصاد الإيراني على مدى عقود، وما تبع ذلك من عشرات الجولات التفاوضية منذ حوالي 12 عام، ولكن ترتبط بانجاز سياسي لأطراف الاتفاق، له انعكاساته وآثاره العديدة، سواء على مستوى علاقة الدول المتفاوضة مع إيران، أو علاقة ذلك بالصراعات الإقليمية في المنطقة، وقبل هذا وذاك الصراعات السياسية الداخلية في هذه الدول؛ فمثلاً توجد أصوات معارضة للاتفاق الإطاري داخل كل من إيرانوالولاياتالمتحدة، وفي الأخيرة يهدد الجمهوريون حال وصول مرشحهم القادم للرئاسة إلى البيت الأبيض بإلغاء كافة الاتفاقات التي تولتها إدارة أوباما بشأن الملف النووي الإيراني. لكن كل ما سبق ويزيد ستتضح معالمه خلال الشهرين الحالي والقادم حتى موعد توقيع الاتفاق النهائي، حيث يواجه الاتفاق ثلاثة تحديات رئيسية هي: -آلية تنفيذ الاتفاق ومتابعته والمراقبة -اتفاق الخبراء من الطرفين على المسائل التقنية وسبل تنفيذها -الاتفاق على صياغة لغوية موحدة تضمن سد الثغرات في الاتفاق، فعلى سبيل المثال هناك بند متعلق برفع العقوبات وإعادة فرضها في حال عدم تنفيذ طهران التزاماتها، لكن من غير المفهوم حتى كتابة هذه السطور هل يعني ذلك كافة العقوبات المفروضة على إيران بما فيها العقوبات الاممية أم المفروضة عليها فقط من الولاياتالمتحدة والاتحاد الأوربي؟ وهل في حالة إعادة فرضها ستشمل العقوبات الأممية؟ حيث أنه في هذه الحالة ستكون هناك اشكالية تتعلق بمنظومة قرارات مجلس الأمن وحق "الفيتو". في هذا السياق، تعترف كافة أطراف الاتفاق بشكل ضمني ومعلن أنه من المبكر الاحتفاء بإنجاز اتفاق نووي، وكان أكثر المسئولين الغربيين صراحة في هذا الشأن هو وزير الخارجية الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي أكد على أن "الاحتفال بالاتفاق النووي سابق لأوانه (..) هناك تفاصيل هامة غير متبلورة بعد وستكون مهمة الخبراء حسمها في الأسابيع القادمة (..) الاتفاق ليس فقط متعلق بالشأن النووي ولكن بأمن الشرق الأوسط وتحسينه"، وعلى الطرف الأخر هناك محددات قانونية من طرفي المفاوضات سقفها بالنسبة للإيرانيين معاهدة الحد من انتشار الاسلحة النووية التي وقعت عليها إيران في 1996، حيث لا تمنع المعاهدة أن يكون للدول الموقعة برنامج نووي، دون الخوض في كونه للأغراض السلمية أم عسكرية. وبخلاف التفاصيل القانونية والإجرائية والفنية العديدة والمعقدة، فهناك ظروف سياسية قد تعرقل سير توقيع الاتفاق النهائي، سواء الخاصة بالدول الحليفة للولايات المتحدة وعلى رأسها إسرائيل والسعودية القلقتان من اتفاق بين واشنطنوطهران على يعزز من قدرة الأخيرة الاقتصادية والسياسية، أو تلك المتعلقة بخلافات داخلية أهمها هو مشروع قانون مقدم إلى الكونجرس الأميركي يحظر رفع العقوبات الاميركية سواء احادية الجانب أو الأممية المرتبط تنفيذها بالمؤسسات المصرفية والقضائية الأميركية إلا بموافقة أغلبية أعضاء الكونجرس-أغلبيته تنتمي للجمهوريين- كذلك الحال في عقد أي اتفاق نهائي بشأن الملف النووي الإيراني إلا بعد عرضه على الكونجرس ويحوز على أغلبية أعضاءه. حيث تنادي أصوات معارضة للاتفاق مع إيران على مسألة عدم ربط رفع العقوبات بالترسانة الصاروخية البالستية الإيرانية. على الطرف الأخر، تخشى إيران من تكرار تجربة نظام صدام حسين مع الحصار والعقوبات والتفتيش النووي، حيث لم ترفع العقوبات ولا الحصار وأيضاً لم يتوقف تفكيك البرنامج النووي العراقي والتفتيش على ما تبقى من ترسانة عسكرية عراقية حتى الأيام الأخيرة قبل الغزو الأميركي. وهنا يشدد خبراء ومفاوضين إيرانيين سابقين في تقرير تداولته وسائل إعلام إيرانية على أن الاتفاق النهائي هو الأهم، وإن لم يقللوا من الاتفاق المبدئي ووصفه ب"إنجاز هام"، ولكن البنود التي يجب أن توفر اتفاق جيد لإيران في نص الاتفاق النهائي يجب أن تشمل على رفع فوري للعقوبات بعد التوقيع وشروع طهران في تنفيذ التزاماتها، ووضع خط زمني محدد غير قابل للتعديل لتنفيذ الاتفاق، أن يكون هناك ندية في الاجراءات المتخذه من طرفي الاتفاق ضد الأخر في حال الإخلال ببنوده، التزامن في تنفيذ الاتفاق من الجانبين لا الهرولة إلى تنفيذ الجانب الخاص بإيران بناء على مبدأ "بناء الثقة، وكذلك عدم التطرق إلى مصير المفاعلات النووية من حيث التشغيل والقدرة النوعية والكمية بعد انتهاء مدة العشر سنوات مدة الاتفاق، وأخيراً عدم ربط الاتفاق بأي شق عسكري له علاقة بالترسانة العسكرية الإيرانية والصاروخية منها على وجه الخصوص. أخيراَ، يجب الإشارة إلى أن الاتفاق النووي بصيغته الحالية، يضمن على المستوى القريب المحدد بعشر سنوات نجاح طرفيه في إنجاز حد معقول من المطالب والحقوق، فعلى سبيل المثال تدخل إيران رسمياً وبشكل شرعي النادي النووي ودون عقوبات أو عراقيل تهدد مستقبل برنامجها النووي، وعلى الناحية الأخرى تضمن واشنطن والدول الغربية بقاء البرنامج النووي الإيراني تحت المراقبة، بخلاف قطع الطريق على أي احتمالية خلال العشر سنوات لتقدم ولو طفيف في مسار انتاج سلاح نووي. وهنا لا يقف الاتفاق حال خروجه بصيغة وآلية تنفيذ ترضي جميع الأطراف عند الملف النووي فقط، بل ستكون له انعكاسات هامة على الخارطة السياسية في المنطقة والعالم، حدها الأدنى هو فك غلّ إيران الاقتصادي والسياسي وانطلاقها كدولة قوية لا دولة مغضوب عليها ومعاقبة من جانب مجلس الأمن. وذلك وحده كافي بأن يفزع خصوم إيران التقليدين في المنطقة ومطالبتهم بضمانات من شأنها ضمان تحجيم إيران بعد تخلصها من قيود العقوبات الدولية. تخوفاً من تكرار تجربة نظام صدام حسين مع الحصار والعقوبات والتفتيش النووي حيث لم ترفع العقوبات ولا الحصار وأيضاً لم يتوقف تفكيك البرنامج النووي العراقي والتفتيش على ما تبقى من ترسانة عسكرية عراقية حتى الأيام الأخيرة قبل الغزو الأميركي.