لمست تونس بشكل حقيقي معنى الإرهاب الذي تعاني منه سوريا منذ أكثر من أربع سنوات، ويبدو أن ذلك كان له أثر كبير في اتخاذ تونس قرار بعودة العلاقات التونسية السورية إلى سابق عهدها. تونس تعيد العلاقات مع سوريا أعلن وزير الخارجية التونسي "الطيب البكوش" أن بلاده قررت استئناف تمثيلها الدبلوماسي في دمشق، ورحب بعودة السفير السوري إلى تونس بعد طرده منها في عام 2012 في خطوة ربما تمهد لإعادة العلاقة كاملة بين تونس والنظام السوري. قال "البكوش" في مؤتمر صحفي في مقر الحكومة التونسية بالقصبة، "سنرسل في قادم الأيام تمثيلا قنصليًا أو دبلوماسيًا قائمًا بالأعمال إلى سوريا"، وأضاف أن تونس أبلغت الجانب السوري بأنه يستطيع إرسال سفير إلى تونس، وتحدث الوزير التونسي عن رفع متدرج لما سماه التجميد الدبلوماسي في سوريا. تحول السياسية الخارجية التونسية وتعد هذه الخطوة ترجمة فعلية لما وعد به حزب نداء تونس أثناء حملته للانتخابات التشريعية والرئاسية نهاية العام الماضي، باستعادة العلاقات الدبلوماسية مع سوريا، حيث التزمت الحركة الحاكمة بوعودها الانتخابية وأعادت العلاقات الديبلوماسية مع سوريا بعد أن قطعها الرئيس المؤقت السابق "المنصف المرزوقي" وحلفاؤه في حركة النهضة، كما استضاف حكام الترويكا السابقون واحدًا من المؤتمرات التي يطلق عليها "أصدقاء سوريا" والتي يهدف منظموها إلى الإطاحة بالرئيس السوري "بشار الاسد". يرى مراقبون أن قرار قطع العلاقات مع دمشق لم يكن قرارا نابعاً من المصالح والسيادة التونسية بقدر ما كان قرارًا يعبر عن رغبة بعض الدول الخليجية، واعتبروا أن التراجع عن هذه الخطوة تعكس استعادة تونس لسيادتها في اتخاذ القرارات بما يخدم مصالحها، مشيرين إلى وجود عدو مشترك اليوم بين البلدين عنوانه الإرهاب، ناهيك عن الروابط التاريخية والحضارية التي تربط البلدين. يبدو من خلال حزمة القرارات التي تم اتخاذها من قبل الخارجية التونسية أن حكام تونس الجدد وعلى رأسهم رئيس الجمهورية "الباجي قائد السبسي" يسعون إلى تحويل سياساتهم الخارجية بشكل جذري لجعلها مختلفة تمامًا عن تلك التي دأبت عليها حركة النهضة وحلفاؤها، وتتجه هذه السياسة نحو مزيد من التضامن المغاربي والعربي والإفريقي والنأي بالنفس عن سياسة المحاور وعدم التدخل في الشئون الداخلية للدول. قطع العلاقات التونسية السورية يناقض هذا التوجه نحو عودة العلاقات السورية التونسية السياسة التي تبناها الائتلاف الحاكم سابقًا في تونس بقيادة حركة النهضة، والذي أيد صراحة ما أسماها "الثورة السورية" التي اندلعت منتصف مارس 2011، بعد شهرين فقط من إطاحة الثورة في تونس بالرئيس المخلوع "زين العابدين بن علي". في فبراير 2012، قرر الرئيس التونسي السابق "المنصف المرزوقي" قطع العلاقات الدبلوماسية مع النظام السوري وطرد سفيره من تونس، مرجعاً السبب إلى تزايد سقوط قتلى من المدنيين على يد القوات الحكومية، بحسب بيان صادر عن الرئاسة حينها. فتح الباب أمام الدول العربية الأخرى تراجع تونس والتي تعتبر مهد الربيع العربي ومن قبلها العديد من الدول العربية والأوروبية عن سياستها العدائية لسوريا وحديثها بمزيد من الصراحة عن الحاجة للتحاور مع الحكومة السورية، قد يفتح الباب لباقي الدول وخاصة التي قام فيها ما يسمى ب"الربيع العربي" لإعادة ترتيب أوراقها من جديد وعودة علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا إلى سابق عهدها، بعد أن تفهم العالم حقيقة محاربة سوريا للإرهاب وليست للحريات.