كلا، لم أعرف شيماء الصبّاغ من قبل، كما إنني في حياتي لم أؤيد جهتها السياسية أو آرائهم، حتى إنني –فعلياً- اعترضت على كثيرٍ من مظاهراتهم ووقفاتهم الاحتجاجية، وكتبتُ عن ذلك غير مرةٍ، لكن استشهاد شيماء وتعامل كثيرٍ من وسائل الإعلام "باستسخاف" لما حدث معها، جعلني لابد وأكتب عن الأمر. لكن أكثر ما استوقفني في القضية، هو تقرير الطبيب الشرعي "غير الرسمي" (كي لا يقول أحدهم أن التقرير الرسمي لا يتضمن ذلك). قال المتحدث الرسمي باسم الطب الشرعي في القضية، الدكتور هشام عبدالحميد (يختلف عن الممثل هشام عبدالحميد بالتأكيد) بأن ""الخرطوش الذي أصاب شيماء الصباغ، وفقاً للعمل لا يودي للموت لبعده المسافة أكثر من ثمانية أمتار، ولكن لأنها نحيفة أكثر من اللزوم أستطاع الخرطوش اختراق جسدها بسهولة وتمركز في القلب والرئة، وهذه حالة نادرة جداً". طبعاً هنا لابد لنا من أن نضع ألف خط تحت كلمة "نحيفة جداً"، فضلاً عن "المسافة البعيدة" إذا يحق لمطلق النار، الذي ينتمي في هذه الحالة إلى "جهة مجهولة" لأن طلقات السلاح المطلقة -بحسب نفس التقرير-يستعملها "المواطنون" و"القوى الأمنية" وهي مطلقةً من سلاحٍ "منتشرٍ" بكثرة. قد يرى كثيرون بأن الكلام الذي أطلقه د. هشام (على قناة صدى البلد ضمن برنامج على مسؤوليتي) عادياً، ومعتاداً لربما، لكن دعونا نحلله شيئاً فشيئاً، وبالمنطق العلمي والدفاعي الذي سيستند عليه أي دفاعٍ في العالم لتبرئة "القاتل" من هذه الجريمة البشعة. في البداية، يبدو أن مطلق النار "المجهول" حتى اللحظة، قد لا يكون أصلاً منتمياً لجهةٍ أمنية، مع تأكيد فكرة أن المستفيد الوحيد –والمنطقي- من عدم نزول شيماء ورفاقها وزملائها في التظاهر معروفٌ للجميع. إذاً ليس "منتمياً" لجهةٍ أمنية. ماذا عن كونه إذاً "بلطجياً"؟ قد ينفع "بلطجياً" ومجرماً ذو سوابق، أحس أن هذه المظاهرة –كما غيرها- هي مكان مناسب لتجربة "سلاحه" الذي لم يطلق منه النار منذ زمنٍ بعيد. وبالتأكيد هو اختار "شيماء" نظراً لأن لديه "عقد نقص" تجاه المرأة المتظاهرة، وهو يعتقد أصلاً أنّها يجب أن تكون في بيتها، ولكن وبحكم "عقد النقص" تلك هو اعتقد أنها "بلا أخلاق" و"سيئة السلوك" فلذلك فإنه أطلق الرصاص/الخرطوش عليها فأرداها قتيلة. ماذا عن أنّه ليس أيضاً من جهةٍ أمنية، بل مجرد "مريض نفسي" لديه عقد تجاه الفتيات اللواتي لا يرتدين على رأسهن؟ ماذا لو كان "متحرشاً" جنسياً مهووساً ومسجل "خطر"؟ ماذا في ذلك؟ ألا يحمل هؤلاء مطاوي وأسلحة بيضاء، ماذا لو حملوا سلاحاً يطلق النار؟ أليس الطبيب الشرعي قال بأن هذا السلاح "منتشر" وبكثرة ويستعمله المواطنون والقوى الأمنية؟ إذاً لا شيء يمنع أن يكون هذا المجرم القاتل مطلوباً ومريضاً نفسياً في نفس الوقت. طبعاً هنا نحن لا نستبعد أن يكون من القوى الأمنية، لكن ماذا لو كان من "حراسة المكان" الذي استشهدت فيه شيماء؟ ماذا لو كان من أمن المكان؟ أي لا ينتمي لجهة أمنية تابعة للدولة؟ بل مجرد حارس بسيط لمكانٍ عادي يحمل سلاحاً غير مرخصّ ولا يعرف به "بالتأكيد" أصحاب المؤسسة التي يعمل بها؟ ماذا لو أن هذا الحارس البسيط كان قد شاهد شيماء تسخر أو "تشتم" في الحكومة وهو "يحب" الحكومة ويعشق "الرئيس"، فتصرف من تلقاء ذاته؟ فمن يستطيع تحمّل أن يشتم الرئيس ويسكت؟؟ بالتأكيد إنَّ المؤسسة التي يعمل بها لا تقبل مثل هذه التصرفات، لابل وتستهجنها، هذا بالتأكيد سوف تثبته المحكمة، وسيكون "القاتل" متصرفاً من تلقاء نفسه. أيضاً وأيضاً، ماذا لو كان هذه المرة من جهة أمنية تابعة للدولة؟ الأمر أكثر بساطةً من كل قصص وسائل الإعلام وحكاياها، لقد كان القاتل من منطقةٍ شعبية بسيطة، وقد احضر على عجلٍ إلى ذلك المكان، وتوتر، وانفعل حينما شاهد "هجوم" المتظاهرين عليه، "فخاف" و "ارتعب" ورفع بندقيته (سلاحه) وأطلقه على أقرب المتظاهرين إليه: لقد كان فعلياً يدافع عن نفسه ضد "وحوش" أتت لتهاجمه. باختصار لم يكن يعرف ماذا يفعل، فلماذا نلومه؟ ولماذا نوجه له اللوم، هو كان أصلاً يوجه سلاحه إلى مكانٍ آخر، لكن "رعبه الشديد" جعل البندقية تطلق تجاه "شيماء". أليست هذه كلها وسائل "الدفاع" الجميل عن "قاتل" شيماء الصباغ؟ أليس هذا بعضاً مما سيقال في جلسات محاكمة القاتل، هذا لو افترضنا أنه سيكون هناك قاتلٌ مقبوضٌ عليه أو محاكمة من أساسه؟ وحدنا نحن سيظل دم شيماء الصباغ يؤرقنا، ويعذبنا ويلاحقنا إلى أن نقتص من قتلتها. وحدنا سنظل ننظر إلى شيماء الصبّاغ على أساس أنها أختنا التي ظلمت وقتلت دون أي سببٍ إلا لكونها رفعت الصوت عالياً. أما السؤال والذي لن يكون عن "العدالة" أبداً، بل سيكون عن "الجدوى": هل أفاد قتل شيماء قتلتها شيئاً؟ ترحل الأنظمة بدماء الشهداء، يعرف "الزعماء" ذلك جيداً. يعرفونه جيداً وللغاي