مقالات الثورة وميدان التحرير (44) فكرت في أن الحداد عليك يا مينا دانيال ورفاقك الشهداء في الجنة من مسيحيين ومسلمين يمنعني من تهنئتك بأول رأس سنة بعد ثورة 25 يناير وبعيد الميلاد المجيد.لكن لا أستطيع إلا أن أقول:كل سنة وأنت طيب . لأنه ببساطة كان ” نفسي أقولها لك النهاردة في ميدان التحرير .. ومش هيقدروا يكسروا نفسي أبدا “.. ولأنه اليوم وأنا نازل الي الميدان من جديد سأجدك بإصرارك وروحك الشامخة في وجوه الناس بالميدان عند ” ميشيل ” و”محمد” و ” لويس” و “على ” و “بطرس ” و “حسين”. والجديد الجديد إني رأيت وجهك القمر في عيون زوجتى التي عمرها ما شاركت في مظاهرة . لكن لما لصوص الحرية والوطن اعتقلوها عصر 27 ديسمبر 2011 من الشارع بجوار المنزل و بدون سبب ولا منطق وهي في طريقها لشراء أكل لأبننا الصغير ، و هددوها في قسم شرطة المعادي وضغطوا عليها للتوقيع على إعتراف ملفق يسئ لسمعتها ولسمعتى وحرموها من إبنها الباكي بمفرده في البيت ومن الإتصال به أو بي أو بأي أحد ، خرجت أوعي وأقوي مما كانت . وفي الليلة نفسها وجدت في عينيها للمرة الأولى بريق يشبه نظرتك ، وهي تبلغني أنها قررت نزول التحرير معي والخروج في مظاهرة لأول مرة في حياتها. أحب أقول لك أنت يا مينا إن زوجتى ليس لها أي علاقة بالسياسة. وكانت المسكينة تصدق الكلام التافه في تلفزيونهم. لكنها عاشت بنفسها ظلمهم و كفرهم بالإنسان وبالوطن وبالثورة وبالشعب وبالأخلاق وبالأطفال وبالله . وأنا واثق يا مينا أن الثورة لما تقوم من جديد قريب وقريب جدا أكثر مما يتصور أي حد إن زوجتى ستنزل من البيت ، وتأخذ طفلها في إيدها ، الى قسم الشرطة الذي حاول أن يهينها ويستخف بإنسانيتها وبعقلها ، و يلفق لها أي تهمة كي يكسرها ويكسر زوجها وابنها. لكني لا أعرف يا مينا ساعتها لما تصل الى القسم: كيف ستتصرف ؟.عند الأنظمة الدكتاتورية الفاسدة بجنرالاتها وسياسييها ونخبتها و إعلامها وقوانينها ومحاكمها يطلقون على مهاجمة رموز قمع و إذلال الشعوب ” تخريب وشغب”. ويقولون عن الضباط المجرمين أنهم في “حالة دفاع عن النفس” . وببساطة لأن هذه الأنظمة لا صلة لها بالثورة وبحقوق الإنسان والمواطنين . ولم يسمعوا عن شرعية العنف الثوري. وأحب أضحكك يا مينا مع زوجتى لما طالعت صباح اليوم التالي لاعتقالها الصحيفة التي أعمل بها وتمنعنى من النشر ، وقرأت مانشيت :” وزير الداخلية : تغيير التعامل مع المواطنين تنفيذا لشعار الشرطة في خدمة الشعب “. والمسكينة لأنها كانت تقرأ من دون نظارة أتخيلتها في الأول :”في خدمة الشغب “. و لما قرأتها ” الشعب ” ضحكت أكثر. أنا متفائل يا مينا تماما مثلك وإنت فوق في الجنة لأن مصر تتغير وستتغير ، مهما حاولوا وضعها في مشرحة الموتى المسماة بحكم المجلس العسكري وخططه الوهمية لتسليم السلطة ومواعيده التي لا تصدق أبدا . وعلى فكرة أنا ابتسمت معك لما سمعت ” الإخوان ” و”السلفيين ” يقولون أنهم سيحمون الكنائس ليلة عيد الميلاد كي لا تتكرر جرائم أمن دولة “مبارك” . طبعا أنا معاك إن قياداتهم لا تؤتمن على كتكوت بعد كل مواقفهم المخذية من الثورة والشهداء ونساء مصر المستهدفات بكشوف العذرية وبالسحل والتعرية في الميادين تحت الشمس . ولأنني تمام مثلك يا مينا أعرف إن للكنائس والمساجد لها رب يحيمها وشعب أصيل من مسلمين ومسيحيين أحباب لا يقبلون بالتمييز ولا بتخلف الجزية ، ويريدونها دولة مدنية ديمقراطية لكل مواطنيها .دولة قانون و مساواة و حقوق وحريات عامة وشخصية لا تقبل أي مساومة أو التفاف تحت أي راية أو حجة بما في ذلك راية النفاق والمظهرة باسم الدين . و صحيح إن مصر مازالت مرفوعة على الصليب بعد درب آلام طويل .لكن أنا متفائل يا مينا .لأنه مهما بلغ القتل و القمع والزيف والكذب ، سننتصر . وعيدنا عيد المسيح بشارة بالنصر من جديد في يناير.وكل سنة وأنت ورفاقك في الجنة ونحن في الأرض طيبون أحرار. وبالمناسبة يا مينا يا أخونا وحببنا :”هو في الجنة ميدان تحرير ؟ ولا الجنة كمان على الأرض”. كارم يحيى صحفي بالأهرام 30 ديسمبر 2011