ينتظر المواطن المصرى منذ ثورة 25 يناير وما تبعها من أحداث، انفراجة في أحواله المعيشية وتغير ولو طفيف؛ كي يشعر بتحسن الوضع فى البلاد عقب التضحيات التي قدمها خلال الفترة الماضية. فعلي الرغم من التغيرات في الأحداث السياسية وتعاقب الحكومات، إلا أن الوضع يسير من سيئ لأسوأ، اجتماعيا وسياسياً واقتصاديا، إضافة إلي خفوت الحس الوطنى الذى تنامى عقب ثورة يناير؛ نتيجة ما شاهده المواطن من محاباة النظم المتعاقبة لرجال المال والأعمال والجور علي حقوق الفقراء والبسطاء. المواطن البسيط.. حصار من الأزمات اليومية «طابور العيش.. أنبوبة البوتاجاز.. الروتين الحكومي».. مصطلحات يعانى منها المواطن المصري البسيط التى أصبحت حياته عبارة عن عدة طوابير من بداية اليوم حتي نهايته، فمنذ استيقاظه في الصباح الباكر يركب طابور الخبز، ثم يتجه إلي طابور المواصلات، منها إلى طابور المصالح الحكومية التي يتعامل معها لإنهاء بعض الأوراق الخاصة به، إلى طابور أنبوبة البوتاجاز، ليعود في نهاية اليوم إلي منزله، فى حالة من السخط والنقمة على كل ما حوله. يقول الدكتور جمال فرويز، الاستشاري النفسي: «عقب ثورة يناير، تنامي الشعور لدي المواطن المصري بالانتماء للدولة، وظهر ذلك جلياً في تنظيف الثوار لميدان التحرير عقب انتهاء الاعتصام، وتجمع المواطنون لإقامة اللجان الشعبية عندما تدهور الوضع الأمني، لكن للأسف فشلت الدولة في استغلال تلك المشاعر وتوظيفها لخدمة المجتمع، فاستمر مسلسل اضطهاد الفقير والمستضعف من الشعب والاقتطاع من قوتهم، وازدياد الأزمات والضربات الموجعة التي يواجهها يومياً»، موضحاً أن ذلك أدي في النهاية إلي عودة الشعور كره البقاء بالدولة والرغبة في الهجرة والانتحار. ويشير "فرويز" إلي أن ما يحدث نتيجة تغلغل أشخاص أصبحوا قيادات حالياً "صف ثاني" بالوزارات والهيئات الحكومية لديهم خطط لعدم السماح بنهوض الدولة ومحاولة القضاء علي كافة الفرص المتاحة للتقدم والازدهار، موضحاً أنه ومنذ عام 76 وبدء التغلغل الأمريكي بالبلاد، أصبحت القيادات بالدولة تدين بالولاء لها، وتنفذ كافة المخططات الخاصة بإيقاف سفينة الوطن لمنع الوصول لبر الأمان – علي حد تعبيره. ويشدد الاستشاري النفسي علي أن المواطن المصري البسيط سيصل في مرحلة ما إلي التوقف والبدء في محاولة الحصول علي حقوقه بأية طريقة قد تصل حينها إلي استخدام العنف، الأمر الذي قد يؤدي إلي انهيار المجتمع، فالمواطن ومنذ ثورة يناير لم يشعر بالتحسن في حياته المعيشية، بل زادت الأسعار أكثر من 60% عن ذي قبل، وبالمقابل لم تتحسن مستويات الأجور، مما ضاعف العبء الملقي علي كاهل المواطن، وساهم في وصوله لمرحلة الانفجار، لافتاً إلي أن الدولة لم تضع حلولاً علي المستوي القريب أو البعيد لمواجهة تلك الأزمات، مما يضع المواطن أمام احتمالية أن الدولة لا تحاول مساعدته ولا تهتم به، وبالتالي ففي المقابل سيعي هو الآخر لعدم الاهتمام بالدولة والوطن، مما سينعكس سلباً علي المجتمع في النهاية ليصل إلي مرحلة الانهيار والتفكك. تضحيات وواجبات فى مقابل مزيد من الأزمات حاول المواطن المصري خلال الفترة الماضية النظر للمستقبل بتفاؤل، عندما بدأ ينسج الأحلام بتحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي للبلاد في أعقاب ثورة يناير والأحداث التي تلتها، لكنه أفاق علي الواقع المرير بسوء الوضع أكثر، ما جعل المواطن يصل إلي مرحلة فقدان الثقة بالأنظمة السياسية للدولة، واعتبار أن كل شخص مسئول أو يسعي للسلطة هو طالب لمصلحة شخصية أو ربح خاص وليس لصالح الوطن كما يدعي الجميع. من جانبه، يقول أحمد بهاء الدين شعبان، رئيس الحزب الاشتراكي المصري، إن المواطن المصري البسيط يعيش مرحلة ماقبل الانفجار التي قد تحدث في أي وقت ولن تكون تلك المرة من أجل إقصاء فصيل سياسي أو إحداث تغيرات في نظام الحكم، وإنما ستكون بمبدأ "الجوع كافر" وستأتي علي الأخضر واليابس، ولن تبقي علي أحد، مشيراً إلي أن المواطن يشعر أنه قدم كافة التضحيات والتنازلات الممكن حدوثها من أجل الدولة وضماناً لاستقرارها، لكنه علي الصعيد الشخصي لم يجد أدني مقابل من أجهزة ومؤسسات الدولة لذلك، وكأن الدولة تعاقب المواطن كونه فقير، برغم أن ما يتحصل عليه أقل من حقوقه الأساسية. ويضيف "بهاء الدين": «المواطن يشعر دائماً بأن الدولة تقهره، فالقوانين المطروحة غالباً ما تكون لخدمة فئات محددة من المجتمع بعيدة كل البعد عن الطبقة المتوسطة ومحدودي الدخل، والحق الأدني في الحياة ومتطلباتها لا يتم الحصول عليه إلا بالشقاء والتعب، فالأزمات اليومية التي يقابلها المواطن لاستمرار المعيشة، تجعله يفقد مشاعر الانتماء والوطنية، الأمر الذي ينعكس علي دوره بالمجتمع». ويؤكد رئيس الاشتراكي المصري أن تصرفات الدولة والنظام الحالي، ستضع المواطن المصري في خط المواجهة معها خلال المرحلة المقبلة، وسيحدث مالا يحمد عقباه إذا لم تتدارك الأمر وتحدد متطلبات المواطن البسيط وتسعي لتحقيقها بصورة فعلية وليس شكلية عن طريق الادعاء حتي يشعر المواطن بالتغير علي أرض الواقع مما يؤدي إلي هدوء الوضع وعدم تدهوره.