فاطمة برناوي أول أسيرة في سجون الاحتلال الصهيوني ل"البديل": القضية الفلسطينية جزء من تاريخ الشعب المصري "عبد الناصر" ملهم الشباب العربي.. وأبو عمار خدم شعبه بما يملك أبي وأخي حاربوا في 1948.. وأنا وأختي نفذنا عملية سينما "صهيون" أناشد السيسي فتح المعبر بما لا يضر الأمن القومي "فلسطينية كانت ولم تزل".. عندما تلتقي فاطمة برناوي، أول أسيرة فلسطينية في سجون الاحتلال الصهيوني، تتجسد أمامك كلمات محمود درويش عنها، عن التوحد بين المرأة والأرض والوطن، هي بداية الحكاية التي انطلقت منذ أربعة عقود، ولكنها لم تنته بعد، فهي سجلت بحروف من نور اسمها في صفحات كفاح الشعب الفلسطيني ضد المحتل الغاصب. بمجرد دخول منزلها تلفت نظرك أولا صور الزعيم جمال عبد الناصر، فهو كما تقول: الحلم والملهم، وصور الزعيم الشهيد أبو عمار، والزوج البطل الأسير المحرر فوزي النمر، وتستطيع أن تشم رائحة المقاومة من جدران المنزل، ورغم صمتها الخرساني إلا أنها تنطق بآلاف الكلمات. إلى نص الحوار.. -فاطمة برناوي، النيجيرية الأصل، كيف أصبحت نموذجا ورمزا للنضال الفلسطيني، وكيف بدأت المسيرة؟ والدي نيجيري الأصل، سافر للحج بالسعودية ثم استقر بالقدس في فلسطين، وفي حرب 1948 التي شارك بها والدي؛ انضم أخي عثمان للجيش المصري الذي وصل لقتال عصابات الصهيونية، فقد زرع أبوانا حب الوطن والنضال من أجل استقلاله، ولا زلت أتذكر منزلنا بالقرب من المسجد الأقصي، وفي عام 1962 عملت ممرضة بمستشفى تابعة لوكالة غوث اللاجئين بمدينة قلقيلية الباسلة التي عاقبها الاحتلال بقصف آبار المياه فمات الزرع بها، وفي عام 1967 قصفوا محطة البنزين وأطلقوا صواريخهم حول المستشفى وكان علينا إنقاذ الجرحى ونقلهم إلى مدينة نابلس، ومع حالة الغليان التي كنا فيها راودني شعور بالرغبة في الانضمام للمقاومة المسلحة، وقبل وصولنا نابلس كانت قد سقطت في أيدي الصهاينة. -ماذا تذكرين عن حرب 1976 وكيف كانت أجواؤها؟ أذكر الجرحى من الجنود المصريين في المستشفي، وأذكر فرقة 23 صاعقة حيث تعرفت عليهم في وقت كان العدو يبحث عنهم وطلبوا مني مساعدتهم في استبدال ملابسهم العسكرية بأخرى مدنية، وأحرقت ملابس الصاعقة ولكن الصهاينة اقتحموا المستشفي وأسروا الجنود المصريين الذين تركوا معي صور أطفالهم وبعض متعلقاتهم وخطابات لأسرهم، ولكن من سوء الحظ انني سجنت ولم أخرج إلا بعد أن عادو لأهلهم. -وماذا تذكرين عن عملية تفجير"سينما صهيون"؟ وكيف ألقي القبض عليك؟ تفجير سينما صهيون كانت أول تكليف بعملية مقاومة بعد انضمامي لحركة فتح، ونفذتها معي أختي إحسان، وكانت واحدة من 7 عمليات داخل القدس خطط لها الأخ أبو عمار، عام 1968، وكان معظم رواد السينما جنودا من الجيش الذي حارب في 1967 حيث كانت تعرض أفلاما لبطولات الصهاينة وانتصاراتهم، وبعد دخولنا القاعة أنا وأختي تظاهرت بالمرض للخروج والهرب بعد أن تركنا حقيبة المتفجرات بالداخل، ولسوء الحظ تعثرت قدم صحفي أمريكي بها وتمكن الأمن من إخراجها فلم تنفجر إلا بالخارج محدثة تلفيات صغيرة منها تهدم باب السينما، ورغم ذلك أحدث الخبر ذعرا في إسرائيل كلها. وبعد الحادث بحثت الشرطة عن الذين خرجوا أثناء العرض من السينما، وكان من السهل أن يتوصلوا لبنتين إفريقيتين، رغم أنني تركت القدس بعد العملية مباشرة وعدت إلي مستشفي قلقيلية، إلى أن ألقى القبض علي في اليوم الثاني لعودتي من بيت الممرضات، ورغم أن الضابط الصهيوني قال لي "تعالي معانا 10 دقائق اشربي فنجان قهوة"، فإنني قلت له بثقة "بل 10 سنين"، لعلمي أن من يذهب لا يعود قبل 10 سنوات، واقتادوني وسط صراخ زميلاتي الممرضات في وجه الجنود الصهاينة، وأثناء المحاكمة كنت أغني في فرح الأغاني الوطنية من خلف القضبان، وبعد النطق بحكم السجن 10 سنوات ظللت أخرج لساني للقضاة، حتى إن الصحافة الصهيونية علقت على صورتي بأنه أطول لسان في العالم. -وما هي ذكرياتك عن 10 سنوات في سجون الكيان الصهيوني؟ كان بها بعض الإيجابيات بالطبع، ومنها حكايات السجينات اليهوديات من أصل مصري عن مصر وحبهن لها وتعلقهن بالكشري، واعترافهن بأن الصهاينة كانوا وراء هجرة اليهود من مصر بسبب أعمال العنف التي كانت تتم ضدهم، وتأكيدهن أن المصريين جميعا كانوا إخوة بما فيهم اليهود. أما السلبي فهو احتجازنا في عنبر واحد مع السجينات الجنائيات، سواء الداعرات أو المتاجرات بالمخدرات، وهؤلاء كن يعاملنني بطريقة سيئة جدا، وكن يسكبن علىّ الشاي الساخن ويطفئن السجائر بجسمي. -ولكن هل تعرضت للتعذيب على أيدي قيادات صهيونية في السجن؟ قبل دخولي السجن وأثناء التحقيقات كان هناك ضابط ألماني يهودي يضربني ويركلني بقدمه، وكان يصرخ في وجههي دائما ويتهمني بأنني إفريقية وفلسيطن ليست وطني، وكنت أرد عليه دائما بأنه ألماني وأنه هو الذي احتل وطني واغتصب أرضي. لكن أسوأ لحظاتي بالسجن كانت عندما توفيت أمي وجمال عبد الناصر، وكلاهما رحل في نفس العام وأنا بالسجن، فكنت أنا والفلسطينيات نبكي الزعيم ونردد الأغاني الوطنية لحليم وأم كلثوم، فليست مصر وحدها هي التي فقدت عبد الناصر، بل العرب أجمعون. - كيف استقبل الفلسطينيون نكسة 1967؟ هي ليست هزيمة ولا نكسة، بل عدم مسؤولية من عبد الحكيم عامر، رغم أنه ليس خائنا، لكن كلمة هزيمة قاسية علي كل عربي عاصر هذه الفترة، جمال عبد الناصر، لم يكن مسؤولا عما حدث في هذه الحرب، فهو أعطي ثقته في قادة لم يقدروها، وكان أول وآخر زعيم عربي يقرر الاستقالة والشعب يعيده للحكم من جديد، بلا شك 1967 كانت صدمة للجميع، وكان عبد الناصر هو الزعيم الملهم للشباب الفلسطيني والعربي، ومع الهزيمة فقد الجميع الأمل. -بعد خروجك من السجن، كيف كان اللقاء الأول بالزعيم الراحل أبو عمار؟ كان في بيروت 1982، ووقتها مازحني قائلا "إيه يافاطمة قلت لك اهربي وقتها روحتي اتسجنتي علشان تقولي إني سجنتك"، وسألني عن الأخوات في السجن وأحوالهن، ورفض عملي في اتحاد المرأة الفلسطينية وقتها حيث كان يري أن بإمكاني الخدمة في مواقع أخري، وأوصى بي أحد رفقاء الكفاح الأوئل ممن يثق بهم جدا قائلا له "هذه ابنتي في رقبتك"، وطلب منه أن يجعلني مسؤولة في مكتب التوجيه السياسي للقوات العاصفة، وسافرت كثيرا للجنوب وعملت مع الجنود، وكم عشقت ذلك العمل، وكان أبو عمار، قائدا زعيما وأبا وأخا وإنسانا قبل أي شيء، وحبي له وللزعيم جمال عبد الناصر لايقدر بثمن. -واليوم، هل تعتقدين أن العلاقة بين الشعبين المصري والفلسطيني تأثرت بدعم حماس للإخوان المسلمين؟ لا يمكن أبدا أن تتأثر العلاقة بين الشعبين، الشعب الفلسطيني يحب مصر، ولا يمكن أن ننسي أن المصريين دافعوا عن إخوانهم بداية من 1948، ولكن هناك للأسف بعض الإعلاميين يخلطون الأوراق ويظلمون الشعب الفلسطيني كله بسبب موقف فصيل معين به، ووصل الأمر لمطالبة البعض منهم بطرد الفلسطينيين من مصر، وتحريض الشعب المصري علي إخوانه الفلسطينين. -وماذا عن معبر رفح؟ نعلم أن مصر تحافظ علي أمنها القومي وحدودها وهذا حقها، لكني فقط أطالب بمعالجة الأمور بدقة، فالأطفال والمرضي ليس هم ذنب في غلق المعبر، وها أنا فلسطينية بالقاهرة ولن أتمكن من العودة طالما ظل المعبر مغلقا، وأناشد الرئيس السيسي، من أجل الجرحي والطلاب والمرضي، النظر لهم بعين الرأفة وفتح المعبر.