تستمر إسرائيل في وضع العراقيل أمام السلطة الفلسطينية، بهدف إسقاطها وإثارة مشاعر الغضب تجاه حكومة الوفاق، وتكريس المعاناة المالية والاقتصادية التي تواجهها السلطة الفلسطينية، حيث للشهر الثاني على التوالي يستمر التعنت الإسرائيلي في حجب العائدات الضريبية المستحقة عن شهري ديسمبر ويناير الماضيين، ضمن خطوات انتقامية اتخذتها حكومة "بنيامين نتنياهو" ضد السلطة ردًا على توجهها إلى مجلس الأمن الدولي وانضمامها إلى المحكمة الجنائية الدولية. قررت إسرائيل الشهر الماضي تجميد تحويل العائد الشهري لأموال الضرائب للفلسطينيين، ردًا على طلب حكومة رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، التحويل الشهري المقدر ب500 مليون شيكل إسرائيلي أي حوالي 125 مليون دولار عن شهر ديسمبر، و400 مليون شيكل أي حوالي 100 مليون دولار لشهر يناير، يعتمد عليه الفلسطينيون لإدارة حكومتهم ودفع رواتب الموظفين، وتقدر هذه الإيرادات بنسبة 44.36% من الميزانية السنوية للسلطة الفلسطينية البالغة 3.88 مليار دولار، وتمثل أكبر مصدر دخل فردي لخزانة السلطة. وصف كبير المفاوضين الفلسطينيين "صائب عريقات" قرار إسرائيل بعدم تحويل العائدات بأنه "جريمة حرب"، وقال إن "قرار إسرائيل هو جريمة حرب أخرى ولن نتنازل أمام الضغوط الإسرائيلية"، ولكن على الرغم من إدانة هذا القرار من قبل العديد من الدول الأوروبية ورئيس إسرائيل نفسه إلا أن تلك الإدانات والأحاديث لم تجعل رئيس الحكومة الإسرائيلية "نتنياهو" يحرك ساكنا أو يفكر مرتين، وكأنها إدانات لحفظ ماء الوجه فقط وليست واجبة التنفيذ. نددت المفوضية الأوروبية بقرار الحكومة الإسرائيلية، وصرحت وزيرة خارجية الاتحاد الأوروبي "فيديريكا موغيريني"، أن هذا القرار يتعارض مع الالتزامات الإسرائيلية بموجب بروتوكول باريس الموقع عام 1994، والذي ينظم العلاقات الاقتصادية بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وقالت "فيديريكا موغيريني"، "إن السلطة الفلسطينية الفاعلة والملتزمة بنبذ العنف وبتسوية سلمية للنزاع عنصر رئيسي في حل الدولتين"، وطالب الاتحاد الأوروبي الحكومة الإسرائيلية باحترام الواجبات المتعلقة بتحويل سريع وفاعل للضرائب والرسوم الجمركية إلى السلطة الفلسطينية. انتقد الرئيس الإسرائيلي "رؤوبين ريفلين"، سياسة رئيس الوزراء "نتنياهو" بتجميد أموال الضرائب الفلسطينية، وأوضح أن قرارات نتنياهو غير منطقية ولها مصالح حزبية وتضر بمصالح إسرائيل القومية، وجاءت انتقادات الرئيس الإسرائيلي خلال جلسة مغلقة، وصفها الإعلام العبري ب"الحادة" على قرارات "نتنياهو" القاضية بتجميد تحويل أموال الضرائب للسلطة الفلسطينية، وقال إن هذه الخطوة تلحق الضرر بإسرائيل قبل غيرها وهي غير مجدية. على الرغم من أن واشنطن تعارض بشدة طلب "عباس" الانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية، إلا أنها انضمت إلى الاتحاد الأوروبي والرئيس الإسرائيلي في إدانة قرار الحكومة الإسرائيلية، حيث قالت إنها تعارض قرار إسرائيل وأضافت أن "تجميد تحويل هذه الضرائب التي تمثل نحو نصف الموازنة الفلسطينية قرار يؤجج التوترات". كما عبر وزير الخارجية الأمريكي "جون كيرى" السبت عن قلقه إزاء قدرة السلطة الفلسطينية على العمل بالشكل المطلوب إذا لم تتسلم قريبا عائدات الضرائب، وحذر "كيرى" من حدوث أزمة أخرى في المنطقة إذا لم يتسلم الفلسطينيون الأموال، وقال "إذا أوقفت السلطة الفلسطينية أو كانت ستوقف التعاون الأمني أو حتى قررت التوقف عن العمل نتيجة المأزق الاقتصادي وهذا قد يحدث في المستقبل إذا لم يحصلوا على عائدات إضافية، فسوف نواجه حينئذ أزمة أخرى"، وأضاف "نعمل جاهدين للحيلولة دون حدوث ذلك، وهذا هو السبب في تواصلنا مع أطراف أساسية للتعبير عن قلقنا ونحاول أيضا العمل سويا لإيجاد حل لهذا التحدي". على الرغم من كل هذه الإدانات والانتقادات والتحذيرات إلا أنه لا توجد مؤشرات توحي باستجابة حكومة الاحتلال للمطالب الدولية باستئناف تحويل عائدات الضرائب الفلسطينية قبل الانتخابات العامة منتصف شهر مارس المقبل. حجز إسرائيل للأموال الفلسطينية يشكل ضربة قاسية للاقتصاد الفلسطيني، وسيؤدي لتبعات سلبية تطال جميع شرائح المجتمع بما فيها البنوك والقطاع الخاص وحتى المتاجر العادية، والتي تلقت ضربة بسبب هذا الإجراء الباطل والمخالف للاتفاقيات والقوانين الدولية، كما أن عدم استجابة الدول العربية للمطالب الفلسطينية بتفعيل شبكة الأمان المالية العربية بقيمة 100 مليون دولار شهريًا، ستزيد الأوضاع صعوبة لدى السلطة التي تعاني أصلا من أزمة مالية. التعنت الإسرائيلي ومحاولة وضع العراقيل أمام السلطة الفلسطينية واستخدام ورقة الابتزاز المالي، لم يزيد السلطة والشعب الفلسطيني إلا إصرارًا على التقدم والانضمام إلى الجنائية الدولية، بل زاد من حدة التوتر بين الطرفين خاصة في ظل الصمت الغربي والإدانات المستكينة على الاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة.