"لن نيأس من المطالبة المستمرة بحقوق المواطنين في بلد لم يعد قادرًا على حماية شعبه ولا الارتقاء به بدراسة مشاكله ووضع الحلول العملية لها، فكرامة المصري مهانة، سواء في بلده أوخارجه، فقد تكررت خلال السنوات الكثيرة الماضية عمليات احتجاز الصيادين؛ لاختراقهم المياه الإقليمية بحثًا عن الرزق الذي نضب ببلاده، واستغلال السلطة لتلك الأحداث في لعبة السياسة وتحسين علاقاتها بالدول الأخرى، ولم نجد يومًا أنها تبحث عن الأسباب الحقيقية لمخالفة الصيادين القوانين ومحاولة حلها، قبل أن تطبق عليهم هي الأخرى الجزاءات، دون النظر إلى البعد الإنساني لهم". هذا هو لسان حال الصيادين الذين يعانون من التضييق في رزقهم واحتجازهم وتجاهل المسئولين لهم. وجاءت حادثة احتجاز صيادي برج مغيزل لتكشف العوار الذي أصاب الحكومة المصرية، بعد أن كشف أصحاب المشكلة أنه لم يتم الإفراج عن الصيادين، وأن ما تم إعلانه يدخل ضمن نطاق السياسة، على الرغم من عدم استقرار الأوضاع في ليبيا، الأمر الذي يهدد أرواح الصيادين الذين تم احتجازهم منذ أكثر من شهرين، دون تحرك المسئولين إلا في الوقت الحالي. فقد أكد محمد باشا رئيس جمعية الصيادين ببرج مغيزل التابع لمركز مطوبس بكفر الشيخ أنه حتى الآن لم يتم الإفراج عن المحتجزين في مصراتة ببني غازي بليبيا، وأن كل ما يتم الإعلان عنه لم يدخل نطاق التنفيذ، لافتًا إلى أن الصيادين تم احتجازهم منذ أكثر من شهرين، وأنه تم القبض عليهم بمدينة سرت الليبية وترحيلهم إلى سجن مصراتة المسيطر عليه ميليشيات "فجر ليبيا"، موضحًا أنهم قد تنبهوا إلى وجود خطر تعرض له الصيادون بعد مرور شهر من إبحار مركب الصيد، فطرقوا باب جميع المسئولين، بداية من المحافظ ونهاية بالخارجية، إلا أن كل الردود جاءت مبهمة، وأنهم محتجزون وليسوا مخطوفين، وجاءت لهم أخبار الصيادين من رجالهم بليبيا. وأوضح باشا أن مخالفة الصيادين للقوانين هم مرغمون عليها؛ لقلة الأسماك داخل المياه الإقليمية على الرغم من طول سواحلنا، ولا يوجد لهم مصدر للرزق سوى الصيد، قائلاً "إيه اللي رماك على المر؟ قال اللي أمر منه"، فالصياد واقع بين اختيارين: إما الموت جوعًا، أو مخالفة القوانين والتعرض للحبس، مشيرًا إلى أن المسئولين في مصر على دراية كاملة بهذا الأمر، وأن إنتاجية البحر المتوسط من الأسماك قليلة جدًّا، ومع ارتفاع أسعار السولار، فإن الصيد داخل حدودنا لن يأتي بتكاليف رحلة الصيد، والتي تمتد لفترة 20 يومًا والبالغة 100 ألف جنيه، والتي ينفق نصفها على السولار فقط، مؤكدًا أن "الدولة لا تحرك ساكنًا في حالة حجز مراكب الصيد الخاصة بنا في أي دولة أخرى، ولا ترحمنا من تطبيق العقاب علينا هي الأخرى، فتمنعنا من ممارسة الصيد لمدة ستة أشهر، وفي حالة تكرار المخالفة، والتي بالتأكيد تحدث، يتم سحب الترخيص نهائيًّا، ولا يتم صرف تعويضات عن خسائرنا؛ لمخالفتنا قانون التأمين على مراكب الصيد". وأشار رئيس جمعية الصيادين ببرج مغيزل إلى أن العقوبات التي يتعرضون لها تختلف باختلاف الدولة التي تمت فيها المخالفة، فدولة ليبيا تقوم باحتجاز الصيادين لتقضية عقوبتهم، وتقوم بترحيلهم إلى مصر فور انتهائها، ويقومون بمصادرة المركب. أما في تونس فالوضع يختلف، فالعقوبة تكون مادية، حيث تتراوح الغرامات من 300 إلى 500 ألف، ويرحلون جزءًا من العمالة، ويحتجزون الباقي إلى حين الانتهاء من القضية وتوريد قيمة الغرامة، ويفرجون عن المراكب المحتجزة، مضيفًا أن اصحاب المراكب يقومون بالتحايل على السلطات الليبية ببيع مراكبهم لأحد مواطنيها بعقود صورية مقابل حصولهم على نسبة 20 % من الأرباح، ويقوم صاحب المركب المصري بتحمل كل النفقات وتوريد كل العمالة اللازمة، لافتًا إلى أنه "في حالة الخلاف مع المواطن الليبي تضيع حقوقنا ونفقد مراكبنا". وقال حمدي شرابي رئيس جمعية الصيادين ببرج البرلس وعضو الاتحاد التعاوني للثروة المائية عن محافظة كفر الشيخ إن الإعلان عن الإفراج عن الصيادين المحتجزين بليبيا في ذلك التوقيت له أبعاد سياسية فقط؛ لأن مشكلة الصيادين بصفة عامة ليست وليدة اللحظة، بل هي مستمرة على مدار عقود، يعاني فيها الصيادون من قلة الرزق داخل المياه الإقليمية؛ لقة الثروة السمكية بها، فيضطرون أن يغامروا بأرواحهم بالخروج إلى المجال البحري للدول المجاورة؛ بحثًا عن الرزق، بعد أن ضاق الحال بهم في وطنهم، وهم على دراية بأنهم يمكن أن يعودوا إلى أهاليهم في صناديق أو يمكثوت في ظلمات سجون الدول التي لا تراهم سوى لصوص يستولون على خيرات بلادهم، حتى ولو كانوا في غنى عنها. وأوضح شرابي أن مشكلة الصيادين تكمن في عدم اتخاذ إجراءات فعلية لإنشاء شركة عربية إفريقية موحدة تسمح للصيادين المصريين بممارسة عملهم خارج المياه الإقليمية تحت مظلة قانونية؛ حتى لا يكونوا عرضة لمطاردة سلطات الدول المجاورة، لافتًا إلى أن هذه الشركة ستعمل أيضًا على القضاء على ظاهرة تهريب العمالة على ظهر تلك المراكب؛ لأنه سيتوفر لهم فرص عمل شرعية بدلاً من تعريض حياتهم للخطر أثناء عمليات التهريب، مطالبًا بسرعة تدخل القيادات السياسية المصرية للانتهاء من إجراءات الإفراج عن الصيادين المحتجزين بليبيا؛ لما نعانيه من اضطرابات سياسية تهدد حياة المصريين. وأكد عضو الاتحاد التعاوني للثروة المائية على ضرورة التفات مسئولي الدولة لمشاكل الصيادين؛ لكونها تشمل قطاعًا كبيرًا من المواطنين، ومحاولة حلها، فيجب أن تتم مساواتهم بالفلاحين في سن المعاش "60″ بدلاً من "65″ عامًا كما يحدد قانون الصيد رقم "112″، هذا بجانب القضاء على ظاهرة صيد الزريعة والصيد الجائر؛ لتنمية الثروة السمكية في مياهنا الإقليمية، وذلك بتغليظ العقوبة وتفعيلها على المخالفين.