لم تعد حوادث الطرق الوسيلة الأسرع للموت بدمياط، بل أصبحت المستشفيات العامة، قطارا يحصد أرواح المواطنين؛ بسبب الإهمال وغياب الرقابة وانعدام الضمير فى معاملة المرضى، خاصة غير القادرين، وتحولت المستشفيات إلى مكان دعاية للأطباء، يطالبون المرضى من خلالها بالتوجه إلى عياداتهم الخاصة، بحجة ضمان العناية الطبية أو انتظار الموت فى المستشفى. وعلى الرغم من التطوير المستمر فى مبانى المستشفيات العامة بدمياط وإنفاق الملايين من الجنيهات على شراء الأجهزة وتطوير الأقسام كما تدعى منظومة الإدارة بالمحافظة، إلا أن تطوير الضمير المهنى لكثير من الأطباء يقف محلك سر، ويسانده انعدام الرقابة الإدارية بداية من المحافظ ووكيل وزارة الصحة إلى مديرى الإدارات الذين تركوا الحبل على الغارب لكل مدير مستشفى يحولها إلى عزبة خاصة لا يطبق فيها إلا قانونه الخاص. ونظرا لتردى الأوضاع الاقتصادية فى هذه الآونة وانتشار البطالة وتقليص الدخل لشريحة كبيرة من المجتمع الدمياطى، يلجأ الكثيرون للبحث عن العلاج فى المستشفيات الحكومية؛ وذلك لارتفاع أسعار الكشف الخاص، لكن يصطدم المريض بمنظومة من الإهمال والجشع تسيطر على مجريات الأمور فى المستشفيات العامة، بداية من تأخر الأطباء – فلا يتواجد طبيب فى المستشفيات قبل العاشرة صباحا أو العاشرة والنصف، ومرورا بمعاملة سيئة من الإداريين والممرضات، وانتهاء بعدم وجود أدوات طبية، حيث يتعين على المريض أن يشترى الشاش والأربطة والسرنجة وخلافه من الخارج. ولعل من أشهر حالات الإهمال التى شهدتها أروقة مستشفيات دمياط فى بداية العام 2012 عندما أعلن الأطباء عن الإضراب للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية وإقرار الكادر المالى الخاص بهم، وفاة طفلة تبلغ من العمر أربع سنوات بين أحضان أبيها؛ بسبب رفض مستشفى الحميات استقبالها بدعوى الإضراب. يقول السيد ع . ص، والد الطفلة زينب من قرية الشيخ درغام التابعة لمركز دمياط: «زينب كانت البنت الوحيدة التى رزقت بها بعد انقطاع الأمل فى الإنجاب ما يقرب من عشر سنوات، وكانت فرحتى ووالدتها لا تسعها الدنيا كلها بزينب التى ملئت البيت علينا ونورت حياتنا وظلت زينب تكبر أمام أعيننا حتى وصلت إلى الرابعة من عمرها، واستيقظنا يوما على ارتفاع كبير فى درجة حرارتها ،جريت على مستشفى الحميات بدمياط، وجدت الاستقبال مغلق بحجة الإضراب، جريت على مستشفى الصدر المجاورة للحميات وجدت دكتور طلب لى الإسعاف لنقلنا إلى مستشفى الطوارئ، ولما دخلت بها المستشفى، رفض أطباء العناية المركزة استقبالها بحجة إن مفيش مكان والبنت بتموت». ويكمل الوالد المكلوم: «الناس اتلمت علينا والكل شايف حالة البنت الناس، وبعد محايلة، قال لى طبيب هاتها بس انزل اشترى الجهاز ده من تحت حالا، وفعلا جريت على صيدلية قريبة من المستشفى وبعد ما جبته ورجعت قالوا مش ده، واتضح إن الجهاز المطلوب ب380 جنيها، ودا مبلغ مكنش فى جيبى لأنى صنايعى والحال على الأد، رجعت البيت استلفت من جيرانى واشتريت الجهاز وطلعت المستشفى لقيت زينب ماتت، محدش أسعفها ومرحموش فقرى وقلة حيلتى وسابوها تموت وأنا بستلف فلوس علشان أجيب لها الجهاز اللى قالوا عليه، يمكن لو كانوا استقبلوها فى الحميات كانوا أنقذوها، بس هقول إيه أفوض أمرى إلى الله». حالة زينب ليست الوحيدة الشاهدة على الإهمال فى منظومة الصحة بدمياط، فهناك مستشفى فارسكور المركزى الذى يتجسد فيه أعظم صور الإهمال الطبى، فالمستشفى غالبا لا يوجد فيه أطباء؛ لأنهم يعملون فى عياداتهم الخاصة والمستشفى غالبا يتحكم فيها اصطاف التمريض، فلا تكاد حالة طارئة تحتاج إلى تدخل سريع أن تجد طبيبا، فضلا عن الانهيار الإنشائي للمستشفى، وبعد زيارة لوزير الصحة، أصدر أمرا بالإحلال والتجديد، الأمر الذى يفتح الباب لإهدار المال العام، خاصة أنه تم ترميمه عام 1997. الأمر نفسه ينصرف على مستشفى دمياط التخصصى الذى افتتح عام 1986 ليخفف الضغط عن مستشفى دمياط العام، لكن سرعان ما ظهر به الفساد الذى شاب عمليات الإنشاء والتأسيس، فلم تمض عدة سنوات حتى ظهرت التشرخات فى جدران المستشفى وتدنت الخدمات الطبية المقدمة للمرضى تباعا حتى وصل الحال بالمستشفى إلى اقتصار دوره على إرسال المرضى إلى مراكز إشاعة أو تحاليل خارجية، وذلك على الرغم من امتلاء مخازن المستشفى بأدوات ومعدات تقدر بعشرات الملايين منها أجهزة إشاعة أحدث من الموجودة بالمراكز الخاصة، وظهر ذلك حين أعلن مدير مالى وإدارى بالمستشفى فى منتصف العام 2013 الإضراب عن الطعام والاعتصام بالمستشفى حتى يتم التحقيق فى المخالفات المالية وبيان من يقف خلف عدم استغلال أجهزة المستشفى وأدواتها لصالح المريض وتخزينها حتى أصابها التلف، وحينها زار محافظ دمياط الموظف المضرب داخل المستشفى، وأصدر أمرا بتحويل الموضوع للتحقيق، لكن سرعان ما عاد الحال إلى ما هو عليه، «لا أطباء لا خدمات»، حتى مدير المستشفى لا يتواجد بها معظم الأوقات؛ نظرا لانشغالة بعيادته الخاصة. ويدخل على الخط نفسه مستشفى عزبة البرج المركزى، فعلى الرغم من فخامة المبنى الخاص به، إلا أن سكان المدينة يشكون من انعدام الخدمات واستغلال الأطباء للمرضى وتحويلهم إلى عياداتهم الخاصة أو علاجهم فى المستشفى لكن بأجر كامل، كما يشكو المرضى من عدم وجود سيارة إسعاف بالمستشفى وهو ما يضطر الأهالى إلى نقل المرضى بسياراتهم الخاصة معرضين حياتهم للخطر بسبب تأخر سيارات الإسعاف نظرا لبعد المسافات وسوء حالة الطرق والازدحام. وليس تدنى الخدمات الطبية المشكلة الوحيدة التى يصطدم بها المريض فى دمياط، لكن منذ أعوام قليلة بدأت تتنامى ظاهرة البلطجة والعنف داخل مستشقيات المحافظة، سواء من أشخاص خارج المستشفى أو داخلها. يقول السيد الغتورى، منسق اتحاد محبى مصر، إن المريض يعتبر دخوله المستشفي مغامرة غير محسوبة، قد تفقده حياته أو تفقده أحد أعضاء جسده، فالمرضي في مستشفيات دمياط يجلسون داخل عنابر المستشفيات، والقطط تجري حولهم والقمامه تحاصرهم، والممرضات ترفض صدقة الابتسامة في وجه مريض، متابعا: «لكن إذا منحتهم المال أو الإكرامية كما يطلقون عليها، فستحظى بابتسامة واسعة، وأيضا قليل من العناية والاهتمام». ويضيف: «تعاني غالبية المستشفيات خاصة المركزية في دمياط وفارسكور والزرقا وكفر سعد من عدم وجود أجهزة أشعة مقطعية، والتي يحتاجها المصابون في الحوادث، ويلجأ أهالي المرضي إلي حملهم إلي أقرب مركز أشعة خاص، متحملين تكاليف الأشعة».