يعد جهاز الشرطة المحرك الرئيسى للأنظمة الاستبدادية، من خلال فرض سطوته على المواطنين بخلق حالة من القمع والخوف العام، ولعل مصر الدولة الوحيدة في العالم التى تحتفل بعيد الشرطة، على خلفية بسالة الشرطيين في محافظة الإسماعيلية عام 1952 ضد الاحتلال البريطاني. لكن في الوقت الحالي تتجه كل أنظمة العالم إلى تطوير أجهزة الشرطة والداخلية، ولا زلنا فى مصر نحتفل بعيد الشرطة على الرغم من كم الانتهاكات والجرائم التى يرتكبونها في حق المواطنين المصريين. زادت في الفترة الأخيرة، اعتداءات ضباط وأفراد وأمناء الشرطة على مواطنين مدنيين، سواء كان الاعتداء باليد أو باللفظ أو قد يتعداه لإطلاق الرصاص، دون محاسبة، وكثيرا ما تنطلق التنديدات والاستنكارات من نشطاء وحقوقيين ترفض انتهاكات قوات الشرطة بحق المدنيين، فضًلا عن مطالبة أهالي قتلى اعتداءات الشرطة بالقصاص. ويبدو أن مصر تسير على نحو الماضي، وتصر على الاحتفال بعيد الشرطة دون النظر إلى الحاضر وإلى كم الانتهاكات التى ترتكب، وإغفال النظر إلى نماذج إصلاحات الشرطة في كل دول العالم. من جانبها، حاولت «البديل» رصد أهم التحولات الديمقراطية التى تمت في بلدان العالم، ومن خلالها تم تحسين وتطوير الجهاز الشرطي. جورجيا.. صاحبة التجربة الأنجح في عام 2003، شهدت دولة جورجيا ثورة سلمية على الرئيس إدوارد شيفرنادزه، حيث أجبرته على الاستقالة مظاهرات ضخمة، وتولَّى قائد المعارضة ميخائيل ساكاشڤيلى، آنذاك، رئاسة البلاد بعد فوزه بالانتخابات. كان على رأس النظامى الجورجى قبل «ثورة الزهور» جهاز شُرطة فاسد، نشأ على الرشاوي، واشتراك قادة الشرطة وأفرادها أنفسهم في أعمال غير قانونية مثل الابتزاز وتهريب المخدرات، نظير حماية الشرطة لنظامٍ وصلت نسبة تأييده بين المواطنين قبل سقوطه إلى 5% فقط. بدأ ساكاشڤيلى، ذو ال 36 عامًا آنذاك، وأعضاء حكومته الأصغر سنًّا، في تنفيذ برنامج انتخابي يقوم على مبدأ واحد «القضاء على الفساد»، وكان ذلك يتطلَّب مواجهة معقل الفساد الأول «جهاز الشرطة». وأعادت الحكومة بناء جهاز شرطة في عامين، دون الإبقاء على فرد واحد من الشُرطيين السابقين، في قرارات متتابعة وسريعة لم تُمكِّن الفاسدين منهم بالتعاون مع شبكات المُهربين والمجرمين من تنظيم صفوفهم لمواجهة القرارات التي كانت تحظى بتأييد شعبي كبير، وانخفض عدد أفراد الشرطة من واحد لكل 78 مواطنًا إلى واحد لكل 214 مواطنًا. «التشيك».. خاضت تجربة مميزة بإعادة هيكلة الشرطة بعد 40 عامًا من حكم النظام الشيوعي الاستبدادي للتشيك «تشيكوسلوفاكيا»، آنذاك، أسقطت «الثورة المخملية» النظام البوليسي في عام 1989، وبدأت رحلة التحول الديمقراطي على يد الرئيس المنتخب لفترة مؤقتة فاتسلاف هافيل. كان جهاز الشرطة في العهد الشيوعي يعتمد على تركيبة منفصلة عن الشعب، تقوم فيها الشرطة السرية ووزارة الداخلية بمراقبة المواطنين، وملاحقة المعارضين، وتقييد الحريات العامة بهدف «حماية النظام الشيوعي»، بصلاحيات مُطلقة في تتبع المواطنين والقبض عليهم باعتبارهم خطرًا على الأمن القومي. فتم تفكيك العقلية الحاكمة لجهاز الشرطة في التشيك بطريقة أكثر تدرجًا من جورجيا، لكن الحكومة كانت أكثر حسمًا في إعادة هيكلة نظام الشرطة؛ فأعلنت الحرب على الشُرطة السرية "وإدارات داخلية أخرى" بإجبار أفرادها على تسليم شاراتهم وأسلحتهم، وأُجبر كل موظفي وزارة الداخلية على القسم بأنهم لم يشتركوا في ملاحقة أي من المواطنين خلال فترة خدمتهم؛ مما أدى إلى فصل واستقالة الآلاف من أفراد الشرطة في فترة قصيرة. الجانب الآخر من خطة الإصلاح، كان تقليص دور وزارة الداخلية وقوتها بتحويل الأعمال غير الشُرطية التي كانت مسؤولة عنها إلى وزارات أخرى، وتشكيل لجان من المواطنين وضباط الشرطة السابقين الذين أجبرهم النظام الشيوعي على الاستقالة لمراجعة ملفات الوزارة، وتحديد مدى أهلية أفراد الشرطة الحاليين للاستمرار في عملهم. فى السياق، قال اللواء محمد عبد الفتاح عُمر، الخبير الأمني، إن تجارب إصلاحات جهاز الشرطة في العالم بالتأكيد تجارب مميزة وجدت من أجل إصلاح كيان فاسد، لكن في مصر الوضع يختلف، فجهاز الشرطة في الوقت الحالي لابد أن يتم دعمه داخل مصر لما تمر به من مرحلة الإرهاب. وأضاف "عبد الفتاح" أن فساد ونجاح أنظمة الشرطة لا يأتي بين يوم وليلة، موضحًا أن الرئيس عبد الفتاح السيسي، أكد خلال احتفالية عيد الشرطة أنه يعلم بكم التجاوزات التى تحدث، لافتا إلى أن الأمر طبيعي وسط الحالة التى تمر بها مصر. ولفت إلى أن الوضع في مصر لا يحتمل المزيد بعرض تجارب الإصلاحات، مؤكدا أن مصر لديها خطة لإصلاح كل الأجهزة، لكن لابد من المرور بالعقبة الكبرى «الإرهاب»، ومن ثم العمل على التطوير خطوة بخطوة.