أم المشاكل في مصر الان الشرطة، تبدأ منها وتعود إليها، اذا اختفت ظهر الانفلات، واذا عادت، طغي القمع. معادلة وجود شرطة مهابة دون أن تكون مفترية أصبحت شديدة الصعوبة فلا يجب ان يخيرنا أحد بعد الان بين الحرية والامن ، او الديمقراطية والانفلات ، وإلا ما كان هناك داع للثورة التي أنهت30عاما من نظام وضع الشرطة فوق القانون باعتبارها اداة وجوده واستمراره، فغض الطرف عن مفاسدها وغضت الطرف عن استبداده.وقبل الدستور والانتخابات سواء الرئاسية او البرلمانية، يجب إصلاح جهاز الشرطة اولا لأنه لن تستقيم الانتخابات في الحالتين بدونها، فكيف ستختار بإرادتك الحرة رئيس بلادك الذي يمكنك ان تعزله، في نفس الوقت الذي لا تستطيع أن تناقش فيه ضابط بوليس او حتي أمين شرطة.سيحدث ما يمكن ان نسميه بالخلل الديمقراطي الذي سيحتاج الرئيس الجديد بالتأكيد الي إصلاحه لانه لن يكون في حاجة الي شرطة لقمع مواطنيه أو تزوير الانتخابات، بل الي جهاز لإقناعهم بالحكمة والموعظة الحسنة وهو شيء لم تتعلمه اجيال متتالية تخرجت في هذا الجهاز. ولذلك يجب إعادة تأهيل شباب الضباط علي كيفية التعامل مع المواطنين في مجتمع ديمقراطي، لا حاجة فيه لتزوير الانتخابات وتسويد البطاقات وتقفيل اللجان والاتيان بالمعجزات كالموتي الذين يصوتون بدلا من ان يصوت عليهم.كل ذلك مهارات لم يسمع عنها معظم من عمل بالشرطة منذ 30 عاما. لا أريد أن أتحامل علي رجال البوليس فكلهم ليسوا بالطبع شياطين كما من المؤكد أنهم ليسوا ايضا ملائكة. من هنا فإن "الشرطة اولا " هو مفتاح حل معظم مشاكل مصر حاليا. واذا فتشت عن اي مشكلة الان ستجد أن غياب الشرطة او حضورها هو السبب الاساسي فيها سواء بشكل مباشر مثل قمع المتظاهرين والانفلات الامني وانتشار البلطجية وفوضي المرور، وتهريب الدقيق وأنابيب البوتاجاز، والتعدي علي الحرمات والممتلكات والاعراض والاموال وشيوع تجارة السلاح والمخدرات وشغب الملاعب، او بشكل غير مباشر كغياب السائحين وغياب الاستثمارات وإحجام كثيرين عن فتح محال او مولات او شركات جديدة مما يعني مزيدا من العاطلين. وأمام اللواء منصور عيسوي وزير الداخلية ، مع اقتراب حركة تنقلات الضباط ، فرصة العمر ليدخل التاريخ من باب نصرة الثورة المصرية كما دخلتها القوات المسلحة يوم 28 يناير وهو إصلاح الوزارة علي طريقة"إيكا" أو إيكاترينا زولادزه، نائبة وزير الداخلية في جورجيا التي قامت بعد نجاح الثورة ضد تزوير انتخابات عام 2003 علي يد الرئيس شيفرنادزة، بفصل 18 ألف شرطي في أكبر حركة تطهير لوزارة الداخلية. وعلي الفور قامت باختيار وتدريب رجال شرطة جدد لسد الفراغ. كما يمكن أن يأتي الحل ايضا علي يد" روميل" او جون روميل وزير الداخلية التشيكي الأسبق، وأول وزير داخلية بعد قيام الثورة التشيكية فقد نصحنا بأن أول خطوة لإصلاح جهاز الشرطة في مصر أن يتم وضعه تحت رقابة البرلمان، وإلغاء البوليس السياسي، الذي يعرف باسم "جهاز أمن الدولة" وعدم الاكتفاء بتغيير اسمه فقط. وإحالة مهمته الي جهاز المخابرات وخاصة انه تم تحديد هدف هذا الجهاز في مصر بمكافحة التجسس والارهاب .وطالب بضرورة التخلص من العناصر التي قامت بقتل المتظاهرين ومحاكمتهم وفقًا للقانون . وضرب مثالاً بالحالة التشيكية بعد الثورة، حيث قامت الحكومة بمنع تعيين كل القيادات الأمنية التي كانت تعمل مع النظام السابق، وحرمانها من تولي المناصب السياسية، وعلي الرغم من أنه قرار قاس لكن كانت له ردود أفعال إيجابية علي المجتمع. وحتي نكون منصفين فإن هناك دورا علي المجتمع يجب ان يؤديه نحو إصلاح حال الشرطة من خلال توعيته بأهمية مكافحة الفساد الذي عشش للأسف داخل الكثير منا علي مدي 30 عاما وكان يجري ممارسته يوميا وفي كل مكان حتي نسي الناس أنه جريمة وتعاملوا معه علي أنه جزء من حياتهم فأصبح ظاهرة مقبولة اجتماعيا. ومن الانصاف ايضا الا ننسي ان رجال الشرطة الشرفاء يعانون شظف العيش لضعف رواتبهم، فيجب زيادتها الي الحد الذي يمكن ان تفسد أمامه مفعول الاغراءات ايا كانت مالية ام غيره، كما يجب تحديد ساعات عمل انسانية لهؤلاء الرجال حتي يتحقق الاصلاح المنشود . يضاف الي ذلك وسائل اخري ابتدعتها دول عديدة مثل:- تناوب الضباط العاملين في اقسام الشرطة؛ بحيث لا يعملون في مكان واحد لمدة طويلة. - القيام بتفتيش مفاجئ علي الأقسام ومراجعة أعمالها - منع الأشخاص غير العاملين وغير المتعاملين مع أقسام الشرطة من دخولها- إعادة النظر في معايير مكافحة الفساد كل ثلاث أو خمس سنوات؛ تمكين المديرين من حماية أفرادهم الشرفاء؛ حتي لا يتعرضوا للأذي في حالة إبلاغهم عن حالات فساد - تحتاج عملية التحاق الطلاب والأفراد الجدد بسلك الشرطة إلي انتقاء دقيق، ومقابلات وفحوص متعمقة لاختيار مَن هم أضبط سلوكًا، وأكثر كفاءةً في قدراتهم البدنية والعقلية، وأن يكونوا من ذوي خلفية اجتماعية سوية، نتمني ان يأتي اليوم الذي يعود فيه قسم الشرطة الي ملاذ الامان لكل ساع للحصول علي حقه او فار من البلطجية، بدلا من أن يكون بؤرة لانتهاك أدمية الانسان و كرامته.