مكسب جديد حصلت عليه فلسطين في مسيرة الانتصار للشعب وعودة الحق لأصحابه، أثارت الخوف والفزع والانزعاج الشديد في النفوس الصهيونية، فبقدر ما ابتهج الفلسطينيون بقرار المحكمة الجنائية الدولية غضب وانتفض الإسرائيليون رعبًا من تداعيات هذا القرار الذي يزيل عنها حصانة دولية تمتعت بها طيلة 65 عاماً، كما "جن جنون" أمريكا ليتضح مجدداً إزدواج المعايير وتحاول إيقاف القرار. أعلنت المحكمة الجنائية الدولية الجمعة الماضية أن الإدعاء سيفتح "تحقيقاً أولياً في جرائم حرب محتملة على الأراضي الفلسطينية"، في أول خطوة رسمية قد تؤدي إلى توجيه اتهامات لمسئولين إسرائيليين، وقالت أنه "بناء على النتائج الأولية سيحدد الادعاء ما إذا كان الوضع يستحق إجراء تحقيق كامل في فظائع مزعومة وهو ما قد يؤدي إلى توجيه اتهامات لقيادات إسرائيلية". ابتهجت فلسطين قيادة وشعبًا بقرار الجنائية، حيث اعتبرت وزارة الخارجية الفلسطينية القرار خطوة ايجابية ومهمة نحو تحقيق العدالة وضمان احترام القانون الدولي، ولفتت إلى أن فلسطين تسعى إلى تقديم مرتكبي هذه الجرائم إلى العدالة الدولية، تكريمًا للشهداء، وحماية لأبناء الشعب من أن يكونوا ضحايا لمثل هذه الانتهاكات في المستقبل، وشددت على أن وضع حد لهذه الغطرسة الإسرائيلية ووقف تجاوزها للقانون الدولي سيعمل على تثبيت قيم العدالة الدولية ويضمن محاسبة كل من يجرؤ على انتهاك حقوق الشعب والقانون الدولي، ما سيكون مفتاحاً لتحقيق السلام والاستقرار. ثمنت حركة "حماس" الخطوة وقال الناطق باسم الحركة "فوزي برهوم"، "نحن نثمن فتح الجنايات الدولية تحقيق في ارتكاب قادة الاحتلال الإسرائيلي جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني ونعتبرها خطوة مهمة ولطالما انتظرها شعبنا الفلسطيني على طول سنوات الصراع مع العدو"، وطالب بالإسراع في اتخاذ خطوات عملية وفعلية في هذا الاتجاه، مؤكدا استعداد حركته على تقديم آلاف الوثائق والتقارير التي تثبت ارتكاب العدو الإسرائيلي جرائم مروعة. من جانبه رأى الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية "مصطفى البرغوثي" أن "انضمام فلسطين إلى محكمة الجنايات الدولية بداية فصل جديد"، وأضاف إن "تسونامي هائلاً سيلحق بإسرائيل". هذه النشوة الفلسطينية قابلها هستيريا إسرائيلية وحالة غليان في الأجواء الصهيونية، حيث وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" القرار بأنه "أمر مخز"، زاعمًا أن "القرار فاضح وعبثي، والفلسطينيون يستغلون المحكمة الدولية ضد دولة الشعب اليهودي التي تواجه الإرهاب الذي يهاجم العالم كله، ولن أتعجب إذا ما سمعت عن تقديم دعوى ضد إسرائيل من حزب الله أو داعش أو القاعدة"، بدوره اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي "موشيه يعالون" أن القرار "مخادع ويدعم الإرهاب بدلا أن يحاربه"، فيما اعتبر رئيس حزب "هناك مستقبل" الإسرائيلي، "يائير لبيد"، أن موقف المحكمة الجنائية الدولية "ضربًا من الجنون"، وأكد أن إسرائيل ستقوم بالدفاع عن نفسها دون أن تطلب مشورة الآخرين في كيفية القيام بذلك. هرع "نتنياهو" كعادته يستنجد بحليفة الأول في الإرهاب الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث قالت القناة الثانية الإسرائيلية، إن "نتنياهو" اتصل ب"كيري" طالبًا النجدة في مواجهة محكمة الجنايات الدولية، وأوضحت القناة أن "نتنياهو" طلب من "كيري" خلال اتصال هاتفي التدخل لمنع المحكمة من فتح تحقيق في جرائم دولة الاحتلال. عادت أمريكا لتستخدم ازدواجية المعايير في التعامل مع الحليف الصهيوني ولكن هذه المرة يعجز "الفيتو" عن إنقاذ الموقف، حيث دانت واشنطن قرار الجنائية الدولية، واصفة إياه بالمفارقة المأساوية، وزعم المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، "إسرائيل التي واجهت آلاف الصواريخ على مدنييها وأحيائها هي الآن موضع تدقيق من جانب المحكمة الجنائية الدولية"، وأعلنت أنها ستواصل معارضتها لأي إجراء تتخذه المحكمة الجنائية الدولية ضد كيان الاحتلال الإسرائيلي، وقال "نحن نختلف بشدة مع قرار المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية"، مبرراً الخلاف بقوله "نحن لا نعترف بفلسطين كدولة، ولذا فإننا لا نعتقد أنها مؤهلة للانضمام إلى المحكمة الجنائية الدولية"، وشدد "ستواصل واشنطن معارضتها لأي تصرف ضد إسرائيل داخل المحكمة الجنائية الدولية لكونه يتعارض مع قضية السلام". تعرف القيادة الصهيونية جيداً أن التحقيق الذي فتحته المحكمة الجنائية الدولية لا يشمل عمليات جيش الاحتلال في الضفة والقطاع فقط، وإنما نشاط المستوى السياسي أيضًا، وبذلك فهو قد يمس القيادات السياسية، ولذلك يعقد المدعي العام العسكري الإسرائيلي "داني عيفروني"، اجتماعًا للبحث في تحقيق الجنائية الأولي، بمشاركة ضباط كبار في جيش الاحتلال، حيث سيبحث هؤلاء عواقب إعلان المحكمة، ومن جهة أخرى تحاول إسرائيل تفكيك المحكمة الجنائية من خلال تكثيف الاتصال بالدول الأعضاء في المحكمة ألمانيا وكندا، ومحاولة الضغط عليها لوقف التمويل عن الجنائية الدولية، كما تحاول الضغط على واشنطن لمنع أعضاء المحكمة من دخول الولاياتالمتحدةالأمريكية.