وعلى هذا يتضح قصور الهيكل العمراني القائم، وأنة لابد أن يتحول سريعًا لسد الثغرة العمرانية الناتجة من تباين مواقع المدن وبعدها عن مراكز الثقل الدفاعية. وتعديل هذا الهيكل وبشكل سريع أصبح ضرورة استراتيجية؛ خاصة بعد حفر القناة الجديدة التي تشكل مانعين مائيين يصعب عبورهما على طول خط القناة وقت الضرورة. كما يجب الوضع في الاعتبار أن ترسيم حدود المحافظات الجديد وضع منفذًا بحريًّا وظهيرًا صحراويًّا للعاصمة؛ ليصل بها إلى الساحل الغربي لخليج السويس لتكون العاصمة على بعد قدم من سيناء. وبنظرة للتاريخ نجد أن فكرة إنشاء تكتلات سكانية في سيناء كحائط ردع ليست جديدة، فقد كان هناك مشروع قديم لتعمير صحراء سيناء وزرعها بالقرى الدفاعية، وضعه سلاح المهندسين في عام 1955م. ولكن مع تأميم القناة وحرب السويس وبناء السد العالي تعطل المشروع. وكان هذا المشروع هو آخر محاولة لإيجاد تكتلات سكانية تكون عامل ردع استراتيجي في حالة نشوب صراع ولو تم المشروع لاختلف الأمر كثيرًا في يونية 1967م. من تلك النقطة وبنفس دوافع الفكرة القديمة، تشكلت ملامح هذا المقترح (شبكة المدن الدفاعية بسيناء) الذي تم تناوله بشكل تفصيلي في دراسة (سيناء استراتيجية الدفاع والتنمية) ويتلخص في التالي : إنشاء شبكة المدن الدفاعية لسيناء، وفيها يكون لكل مدينة دائرة دفاعية تداخل وتتقاطع مع الدائرة الدفاعية لمدينة أخرى، لتنسج بهذا التقاطع شبكة مثبتة الأطراف عند الشرق والغرب ذات قطر عرضي وراسي، يمتد فيما بين البحرين حيث المضايق وصولًا إلى نقطة التقاء الخليجين جنوبًا لتطل آخر الدوائر الدفاعية لتلك الشبكة المقترحة على مضيق (تيران) حيث ظهير الدفاع ومدخل الهجوم المضاد . وبهذا ستلعب شبكة المدن الدفاعية دور مدن القناة ضد العدو تمامًا، كما حدث في العدوان الثلاثي على مصر، وستتحول سيناء إلى دوامات دفاعية تحول دون تقدم بري يذكر للعدو، مما يعظم من سرعة تمركز قواتنا المسلحة في دائرة الدفاع الأولى عند الشريط الحدودي. ويقدم هذا المقترح 3 مراحل لإنشاء الشبكة الدفاعية، وهي: المرحلة الأولى: مدن الشريط الحدودي 1 مدينة الكونتيلا: وهي قرية تابعة لمركز نخل، محافظة شمال سيناء، على بعد نحو 30 كم شمال طابا ونحو 10 كم من الحدود الإسرائيلية المصرية. وهى تقع على هضبة عالية كاشفة للمنخفضات والطرق المحيطة، وهى بهذا نقطة حصينة للغاية، كما يتوفر بها مصدر المياه الوحيد في منطقتها . 2 مدينة أبو عجيلة: منطقة أبو عجيلة من وجهة النظر الطبوغرافية هي الرقعة الحيوية التي يتوقف عليها الاستقرار والاتزان التعبوي للقوات المكلفة بالدفاع عن شمال سيناء، وهي نقطة ارتكاز الدفاع عن المحور الأوسط الذي يصل بين (العوجة والإسماعيلية) المرحلة الثانية: مدن الساحل والوسط 3 مدينة البردويل (الساحل الشمالي): ويقترح إنشاؤها على شاطئ بحيرة البردويل، البالغ مساحته «165» ألف فدان، وتعد ثاني أكبر البحيرات المصرية، ويعمل بها عشرة آلاف أسرة (ثلث سكان سيناء)، وبذلك فإن الظهير السكاني لتلك المدينة متوفر فعليًّا ولا يحتاج سوى تخطيط عمراني، لتصطف تلك الكتلة السكانية على شريط الساحل ليصبح مركز ثقل وسيطرة على طريق الساحل القديم. 4 مدينة جفجافة (وسط سيناء): وهي قرية موجودة فعليًّا، وتحديدًا قرب جبل سحابة والمغير، وهي تتوسط منطقة المليز الفاصلة استراتيجيًّا، ومضيق جفجافة يحمل مسمى القرية، وذلك الموقع لا يحتاج جهدًا لتحويله إلى مدينة، وقد قامت القوات المسلحة المصرية فعليًّا بمشروع لإمداد القرية بالمياه . 5 مدينة تيران: وتقع على جزيرة تيران، حيث مدخل خليج العقبة المرحلة الثالثة: مدن شرق للقناة 6 مدينة السويس شرق: ويقترح أن تكون بمحازاة الضفة الشرقية لقناة السويس الجديدة، في مواجه مدينة السويس الحالية. 7 مدينة الإسماعيلية شرق: وتكون بمحازاة الضفة الشرقية لقناة السويس الجديدة، في مواجه مدينة الإسماعيلية الحالية لتصبح وحدة مكتملة مع مركز القنطرة شرق، مع الأخد في الاعتبار أن ينتهي كوبري السلام الحالي على بوابة المدينة (القنطرة حاليًا). 8 مدينة بور سعيد شرق: وهي تتاخم مدينة بور فؤاد الحالية وتمتد منها كظهير صحراوي. بهذا المقترح ينتقل الدور الدفاعي لمصر من خط المضايق إلى خط المواجهة، ومن خط القناة إلى الخط المضايق، وربما من خط المواجهة إلى عمق صحراء النقب، إذا لزم الأمر، ربما يبدوا هذا الطرح نوعًا من أنواع الخيال الاستراتيجي الذي يذهب بعيدًا عن الواقع، ولكن لن يكون اعتبار هذا الطرح كخيال شفيع لنا وقت الصراع المؤجل بضرورة التاريخ. وختامًا المنظومة المقترحة أمامكم، وبصرف النظر عن مدى صحتها من حيث اختيار مواقع المدن من عدمه، إلَّا أن الفكرة وبشكل مجرد تستحق الوقوف عليها لدراسة مدى الجدوى الاستراتيجية من تطبيقها كفكرة لا تفاصيل، نختلف ونتفق عليها.