للعنصرية لذة ومتعة صدقوني, فالعنصرية لا تُبنى فقط على مسائل عرقية أو دينية أو جنسية, أو حتى مصالح اقتصادية, بل يمكنك أن تجرِّب أن تستمتع بها وأنت في مكانك كي ما تصدقني, جرب مثلًا وأنت جالس على مقعدك تحتسي كوبا من الشاي أن تذكِّر نفسك أنك تنتمي للدين الصحيح, والذي اعتمده رب العالمين كخط وحيد للبشر لن يتقبل سواه من أحد مهما أفاد الإنسانية، ولو كان لويس باستير أو توماس أديسون, ثم تذكر هؤلاء الحمقى الذين يتَّبعون الأديان أو المذاهب الأخرى, ناقش مع نفسك حمقهم وسخف معتقداتهم, وجرب أن تكتشف متعة العنصرية. لا شك أنَّ العنصرية قبل أن تتحول إلى سلوك مؤذ للمشاعر وللوجود المادي للآخر كانت في الأصل فكرة, ربما تسلمها الإنسان نظريًّا من الأجيال السابقة, كأن يعلموا الطفل أنَّ الأسود كسول وغبي وغير نظيف, لكنَّ الطفل لم يلتق بأسود من قبل, لكن الفكرة تركزت في عقله, وتحولت إلى مسلمة في اللاوعي الكامن في ذهنه, فلو التقى يومًا بشخص أسود فسيستدعي تلك الصورة الذهنية من اللاوعي إلى العقل الواعي, ثم تبدأ متسلسلة الإدراك السلبي: الاندهاشن رفض التصديق، الاستنكار، الغضب، يوجد أمامي إنسان أسود شرير, يجب أن يدفع ثمن ظهوره في حياتي. لكن ذلك الأسود المسكين يجب أن يبحث هو الآخر عن ضحية ليستمتع باحتقارها، فينظر إلى مهاجر حديث أو إنسان من بني جلدته، لكن أقل منه علمًا أو مالًا ليصبّ عليه جام احتقاره. لا شك أنَّ التحرر من روح الاستمتاع بالعنصرية هو الطريق الأساسي للتحضر، لكن المجتمع الذي تترسخ فيه الروح العنصرية هو مجتمع متراجع لا رجاء فيه ولا أمل، وبنظرة سريعة على المجتمع المصري نجد أن الاستمتاع بالعنصرية يزداد ولا يتراجع, فالقاهري يحتقر سكان الأقاليم, والبحراوي يسخر من الصعيدي, والفلاح يحتقر العرباوي, والعرباوي يتعالى على النوبي, هذا فضلًا عن المشكلة الأكثر عمقًا ألا وهي مشكلة الأديان مسلم مسيحي. لكن ولأنَّ لكل فعل رد فعل فكل محتقر لابد أن يجد من يحتقره وكل مقهور لابد أن يجد من يقهره، فقد جدت في مجتمعنا قيم عنصرية جديدة, مثل العنصرية الطائفية, كأن يحتقر المصري المسلم البائس الفقير الشيعي ويهزأ من طقوسه وعاداته و احتفالاته, وكأن يسخر المسيحي المصري الأرثوذكسي البائس المحتقر المقهور من اتباع المذاهب الأخرى مستمتعًا بالتباهي بأنَّه من مذهب الأغلبية, متناسيًا أنَّه أصلًا أقلية ابن أقلية لكنَّه كان ولابد أن يجد من يقهره. ومن الأشياء الطريفة التي جدت في مجتمعنا هذه الأيام هو احتقار الإخوان, فقد أصبحوا هدفًا سهلًا لإخراج طاقة القهر التي بداخلنا متناسين أنَّهم مهما اختلفوا مع المجتمع فهم في النهاية جزء منه, وأنَّهم مقيمون هنا لا متعاقدون, لقد أصبح كل محتقر مخذول يجد عزاءه في السخرية من الإخوان؛ خصوصًا أمام محتقريه علَّه يستشعر ولو لثوان أنَّه ينتمي لمن يقهرونه ويسرقون قوته لا لطبقة المسلوبين والضحايا. فلنكن متفائلين ولنحلم بيوم اَت ستختفي فيه العنصرية من حياة البشر حيث تسود المساواة بين الناس, لا أدري كيف لكن الكائن البشري أثبت في كل مراحل وجوده القدرة على تجاوز الأفكار العتيقة والتحرك للأمام, نحو العدالة والمساواة.