ظل الحديث عن خروج مصر من الهيمنة الأمريكية اقتصاديا وسياسيا فى الفترة الأخيرة والتطلع إلى إضافة شركاء جدد الشغل الشاغل للكثيرين خلال الشهور القليلة الماضية، مؤكدين أن تحرر القرار السياسي سوف يكون له عدة انعكسات خارجية وداخلية تصب في خدمة مصالح الشعب، إلا أن الواقع الذي كشفه الوقت لا تصريحات المسئولين يؤكد أن الخروج من التبعية والهيمنة الأمريكية ليس بهذه السهولة نظرا لتغلغلها فى مفاصل الدولة ومؤساساتها منذ عهد الرئيس الراحل "أنور السادات" وتوقيع معاهدة السلام بين القاهرة وتل أبيب 26 مارس 1979، مرورًا بسياسات الرئيس المخلوع "حسني مبارك"، وصولًا إلى ما بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير. وفي هذا السياق، يقول الدكتور "مختار غباشي" نائب مدير المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية إن محاولة خروج مصر و العالم العربي من دائرة الهيمنة الأمريكية صعبة وسهلة في نفس الوقت إذا اتسمت الإدارة بإرادة سياسية، حيث تتمثل الصعوبة في أن مصر والعرب يدركون أن الولاياتالمتحدةالأمريكية هى القوة المتحكمة في جميع قضايا المنطقة وأهمها القضية الفلسطينية واليمنية والعراقية والسورية وحتى الليبية بجانب ذلك خصوصية العلاقة الأمريكية السعودية من جهة والأمريكية المصرية من جهة أخرى. وحول الجهود الأخيرة التي بذلتها القاهرة للخروج من التبعية الأمريكية عبر التوجه نحو روسيا والصين، قال "غباشي" إن العلاقات الأمريكية المصرية بدأت تمثل ضغطًا على القاهرة منذ اتفاقية كامب ديفيد وتوثقت العلاقة أكثر في عام 1982، مؤكدا أن صعوبة الخروج من الهيمنة الأمريكية تتمثل في أن معظم اقتصاد القاهرة وتسليح الجيش المصري يعتمد على المؤسسة الأمريكية، حيث إن 85 % من التسليح العسكري المصري قائم على واشنطن بجانب تعاقدات شركات السلاح الأمريكية الخاصة مع القاهرة، أيضًا عدم الاكتفاء الذاتي والتعويل فقط على المساعدات الأمريكية يمثل صعوبة قصوى في تحرر القرار والخروج من هذه الهيمنة، مشيرا إلى أن مصر من الدول التي لها خصوصية في العلاقات مع أمريكا. وأكد "غباشي" أن الخروج من هيمنة واشنطن يتمثل في توفير غطاء عربي سياسي واقتصادي لمصر، وأن تجتمع الإرادة العربية حول ملف واحد وقضية واحدة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وحل جمع القضايا العربية العالقة بالإضافة إلى ضرورة الهدوء السياسي الداخلي في مصر وحل المشاكل الداخلية والقدرة على توفير مقدراتنا، مضيفًا أنه يجب الاستغناء عن المساعدات الأمريكية العسكرية والاقتصادية بكل الطرق والتعويل على مواردنا الاقتصادية والبشرية. من جانبه، قال الدكتور "عصمت سيف الدوله" المتخصص في الشأن القومى العربي، ورئيس حركة ثوار ضد الصهيونية إن استمرار الهيمنة الأمريكية على مصر اقتصاديا وسياسيًا يؤكد أن النظام المصري لم يتغير ونظام مبارك لا يزال يحكم من قمة رأسه حتي أخمص قدمية، مضيفا أن هذه الهيمنة الأمريكية تتلخص في عدة محاور الأول احتقار الولاياتالمتحدةالأمريكية للتسليح المصري، والضغط الرسمي المصري ومطالبة الإدارة الأمريكية بالافراج عن الأسلحة المصرية، والتأكيد على رغبة مصر في استمرار تلقي المعونة العسكرية الأمريكية، مؤكدًا أنه إذا كانت مصر تريد أن تتحرر من الهيمنة الأمريكية كان يجب عليها أن تستغل فرصة تجميد إرسال بعض الأسلحة الأمريكية للقاهرة خلال الشهور الماضية، لتعلن عن رفضها للمعونة الأمريكية جملة وتفصيلاً ولكنها لم تفعل ذلك. وأضاف "سيف الدولة" المحور الثاني على مستوى الأمن القومي أن مصر أعلنت بوضوح التزامها بالسلام مع إسرائيل، بالاضافة إلى إغلاق معبر رفح وإقامة المنطقة العازلة التي تطالب أمريكا وإسرائيل مصر بها منذ سنوات طويلة، مشيرا إلى أن المحور الثالث يتمثل في تنفيذ مصر لروشتة الصندوق الدولي التي امتنعت كل الحكومات المتعاقبة بعد الثورة عن تنفيذها، حيث تم رفع الدعم عن الوقود، بالاضافة إلى موقف مصر من العدوان الصهيوني الأخير على غزة والحديث حول أنه نزاع فلسطيني إسرائيلي والمساواة بين المدنيين بالطرفين، مختتما بأن كل ما سبق يؤكد أن القاهرة ما زالت تحت الهيمنة الأمريكية وأن واشنطن هي التي لها اليد الطولى في مصر. وفي الشأن ذاته، رأى السفير "رخا أحمد حسن" مساعد وزير الخارجية الأسبق أن أمريكا بالفعل كان لها نصيب الأسد في العديد من مجالات التعاون مع مصر وخاصة المساعدات والمعونة، إلا أنه في السنوات الأخيرة الماضية قلت المساعدات الاقتصادية الأمريكية لمصر من 850 مليون دولار إلى 250 مليون دولار فقط، مضيفًا أن المعونة العسكرية التي تقدمها واشنطن للقاهرة ظلت بنفس القيمة منذ فترة ليست بالقليلة، وبالتالي صار اعتماد مصر الأساسي على التسليح من الولاياتالمتحدةالأمريكية مما صب في مصلحة سياسة واشنطن وشركات السلاح الأمريكية. وأضاف "رخا حسن" أن مصر الآن أصبح شريكها الاساسي في الجانب الاقتصادي هو الاتحاد الأوروبي وليست واشنطن، بينما الشريك الاستثماري الأكبر هو الدول العربية، مشيرا إلى أن تركيز الإدارة المصرية قبل ثوة 25 يناير كان متجه بشكل كبير نحو أمريكا والدول العربية فقط، إلا أن المرحلة الأخيرة بدأت تفرض واشنطن قيود على القاهرة، الأمر الذي دفع الأخيرة إلى تنويع أكثر في العلاقات وإضافة شركاء جدد مثل روسيا والصين وفرنسا واليونان وقبرص بجانب زيادة الاستثمارات في الدول العربية، الأمر الذي ظهر جليا منذ منتصف 2014 الجاري، حيث بدأت مصر مرحلة جديدة من التنويع والتعاون الاقتصادي والاستثماري والتجاري والثقافي مع العديد من الدول وليست أمريكا فقط.