تحاول روسيا استعادة دورها الريادي في المنطقة وسحب البساط من تحت أقدام الولاياتالمتحدة التي انفردت بالعالم بعد سقوط الاتحاد السوفيتي إثر حقبة الحرب الباردة، حيث تسعى موسكو في الوقت الراهن عبر بذل نشاط مكثف في منطقة الشرق الأوسط والقارة الأفريقية لاستعادة نفوذها القديم. برغم أن الساحة أصبحت ممهدة تماماً لروسيا بعد موجة الثورات التي اجتاحت منطقة الشرق الأوسط وإفريقيا مؤخرا، بالاضافه إلى الأزمات التي تواجهها القارة، إلا أن روسيا لم تكن مهملة للقارة قبل تلك الفترة، بل كانت العلاقات منذ عام 2006 متركزة بشكل كبير في الشمال الإفريقي ولم تقتصر على الجزائر فقط وإنما كانت تشمل أيضاً إقامة تعاون وثيق مع المغرب منذ زيارة الرئيس "فلاديمير بوتين" إلى الرباطوالجزائر، حيث لم يعد الروس يتعاطون في صفقات التسليح فقط وإنما يهتمون أيضاً بالتنسيق الغازي وتزويد بلدان المنطقة بالتكنولوجيا النووية وتعزيز التعاون الأمني في مكافحة الإرهاب وتكثيف المبادلات التجارية. أبرمت الجزائر وقتها صفقة مع موسكو لشراء سرب من المُطاردات من طراز سوخوي سو 32 وميغ 29 وفرقاطة حاملة للمروحيات، إضافة إلى دبابات من طراز ت90 وصواريخ أرض – جو من نوع «بانتسير». استمرت الجزائر مثلما كانت منذ السنوات الأولى للاستقلال الحليف الأكبر لروسيا في المغرب العربي، ولم تُغير نهاية الحرب الباردة من هذه العلاقة الخاصة شيئاً، بل إن زيارة بوتين كانت مناسبة لمقايضة الديون الجزائرية تجاه موسكو والمُقدَرة ب4.7 بليون دولار بصفقة الدبابات والطائرات، إذ قبل الروس شطب الديون في مقابل إبرام صفقة الأسلحة، وهذا النوع من العلاقة تعذر مع ليبيا مثلاً التي صارت مرتبطة أكثر بالدول الغربية منذ رفع العقوبات الدولية عنها. الوضع مع المغرب مختلف بعض الشيء، إذ أن موسكو كانت تُولي اهتماماً كبيراً للقارة الإفريقية بوصفها خزان المستقبل الذي تتهافت عليه القوى الكبرى، والأرجح أن أفريقيا باتت تشكل في نظر موسكو سوقاً تجارية كبيرة ومجالاً فسيحاً للاستثمار ومصدراً مهماً للخامات والمعادن والمواد الأولية، لذلك سافر "بوتين" من المغرب إلى إفريقيا الجنوبية عابراً القارة من الشمال إلى الجنوب. أمام الاندفاع الصيني للانتشار في القارة السمراء يعتقد الروس بأن التعاون مع جنوب إفريقيا التي لديها خطط سياسية واقتصادية لكامل المنطقة، يشكل جسراً قوياً للوصول إلى الجيران، ومن هذه الزاوية أيضاً يمكن فهم الحرص الروسي على تكريس التوازن في العلاقات مع الرباط، إلى جانب حضورها التاريخي في الجزائر، لا سيما بعد انهيار الحواجز العقائدية السابقة. روسيا وطدت علاقتها بمصر بشكل كبير بعد ثورة 30 يونيو، وساندت القاهرة في وجه القوى الغربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة التي كانت تعتبر ما حدث بمصر انقلابا على الشرعية، حيث زار "السيسي" روسيا بعد توليه الرئاسة والتقى مع نظيره الروسي "فلاديمير بوتين"، حيث بحثا سبل تنمية العلاقات الثنائية في شتى المجالات، واتفقا على ضرورة تعزيز التعاون الثنائي وتناولا في مباحثاتهما أطر وآليات دعم وتطوير المزيد من التعاون في مختلف المجالات ولا سيما المجال الاقتصادي والتجاري والاستثماري الذي استحوذ على نصيب كبير من مباحثاتهما. لم يقتصر اهتمام روسيا على الشمال الإفريقي، بل أعلنت الوكالة الروسية للطاقة الذرية "روساتوم" الشهر الماضي عن تزويدها جنوب إفريقيا بثمانية مفاعلات نووية بحلول 2023 في إطار شراكة استراتيجية موقعة بين البلدين، وأكدت الوكالة في بيان لها أن تسليم هذه المفاعلات سيسمح بتشغيل أول محطة نووية تعتمد على التكنولوجيا الروسية في القارة الإفريقية ويتوقع أن تؤدي إلى تقديم طلبيات للشركات المحلية قد تصل قيمتها لعشرة مليارات دولار. مؤخرا قامت روسيا بجهود مكثفة لتعزيز التعاون العسكري بين موسكو والخرطوم، حيث قال وزير خارجية روسيا سيرجي لافروف بعد لقاء مع نظيره السوداني "علي كرتي" خلال منتدى التعاون العربي الروسي الذي عقد بالخرطوم الأسبوع الماضي "نملك خططاً واضحة لتنشيط التعاون العسكري التقني"، وشدد أن التعاون العسكري التقني بين البلدين سيتطوّر من دون أن يخل بميزان القوى بالمنطقة. بذلك تكون روسيا طوقت القارة الإفريقية من شمالها لجنوبها بعدة اتفاقيات وصداقات مهمة تضمن لها العودة بقوة لمحاولة توازن القوى الذي هيمنت عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ سقوط الاتحاد السوفيتي بعد فترة الحرب الباردة.