انطلاقا من مكانة مصر في منطقة الشرق الأوسط ونفوذها على الدول العربية، كانت القاهرة ولا تزال الهدف الأول للقوى العالمية، لأن ما تمتلكه من مقومات يجعلها قلب الشرق الأوسط الذي من خلاله يتم السيطرة على باقي دول المنطقة، لا سيما العربية والإفريقية على وجه الخصوص، وهو الأمر الذي جعل قطبي العالم روسيا (الاتحاد السوفيتي قديما) والولاياتالمتحدةالأمريكية حديثا يسعيان لبسط نفوذهما على القاهرة لتصبح حليفا مركزيا في المنطقة. مع منتصف خمسينيات القرن الماضي بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر والاتحاد السوفيتي تتشكل ملامحها والتي استمرت لعدة عقود ماضية، حيث بدأت أولى خطوات التعاون الرسمي بين مصر والاتحاد السوفيتي بتوقيع اتفاقية اقتصادية تقوم على مقايضة القطن المصري بالحبوب والأخشاب من الاتحاد عام 1948، ومع قيام ثورة يوليو 1952 وما أعقبها من أحداث تعززت علاقات القاهرة مع الاتحاد السوفيتي. تعتبر خمسينيات وستينيات القرن الماضي ذروة العلاقات بين الاتحاد السوفيتي ومصر تحت قيادة الزعيم الراحل "جمال عبد الناصر"، حيث ساهم الاتحاد في بناء القوات المسلحة المصرية وتزويده بالمعدات العسكرية اللازمة لذلك، فضلا عن المساهمة في تشييد السد العالي جنوب الصعيد، بجانب مصانع الحديد والصلب والألمونيوم، ومد خطوط الكهرباء من أسوان إلى الإسكندرية. كانت في هذه السنوات القاهرة تتبع الاتحاد السوفيتي بشكل واضح، حيث تلقت منها العديد من المساعدات المالية والعلمية والفنية، كما أن الاتحاد السوفيتي اتخذ من القاهرة قاعدة انطلاق له في منطقة الشرق الأوسط والدول العربية، لا سيما وأن الرئيس الراحل "جمال عبد الناصر" كان يتمتع بنفوذ قوي داخل الأوساط العربية والإفريقية. بعد رحيل "عبد الناصر"، أصبح الحكم في أيدي الرئيس "أنور السادات" الذي وضع اللبنة الأولى لاستقطاب الولاياتالمتحدةالأمريكية لمنطقة الشرق الأوسط بديلا عن الاتحاد السوفيتي، خاصة وأنه خلال هذه السنوات كان صراع النفوذ بين الاتحاد السوفيتي والولاياتالمتحدةالأمريكية وصل إلى حد بعيد من المواجهة بين الطرفين، حيث قبيل حرب 1973 بين مصر وسوريا من جهة وإسرائيل من جهة أخرى، قرر "السادات" إعادة الخبراء الروس إلى بلادهم. يعتبر قرار "السادات" الخاص بطرد الخبراء الروس من الجيش المصري مطلع ثمانينيات القرن الماضي أولى خطوات انسلاخ القاهرة من قبضة الاتحاد السوفيتي لتنتقل إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة مع برز دور واشنطن مع الأيام الأولى لحرب أكتوبر وتدخلها كوسيط بين القاهرة وتل أبيب من أجل فك الاشتباك بين قوات البلدين والبدء في مفاوضات مباشرة انتهت بتوقيع معاهدة السلام بين الراحل "أنور السادات" ورئيس وزراء إسرائيل حينها "مناحم بيجن" ورعاية الرئيس الأمريكي السابق "جيمي كارتر" عام 1979. السنوات التي قضاها "السادات " في الحكم تعتبر الأكثر توترا في علاقات القاهرة والاتحاد السوفيتي، حيث كان "السادات" يفضل الولاياتالمتحدةالأمريكية وصداقتها عن الروس، ومع مطلع تسعينيات القرن الماضي، وصل الرئيس المخلوع "حسني مبارك" إلى الحكم خلفا ل"السادات"، فاتبع مبارك مسار سابقه في التودد إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية والابتعاد عن قبضة الاتحاد السوفيتي الذي وجد في سوريا بقيادة "حافظ الأسد" بديلا عن القاهرة بعد رحيل "عبد الناصر"، شيئا فشيئا تراجعت علاقات مصر مع الاتحاد السوفيتي، خاصة مع انهيار الاتحاد وتفككه عام 1991، حتى أصبحت القاهرة خلال هذه الفترة تابعا رئيسيا للولايات المتحدةالأمريكية. علاقات القاهرة مع موسكو بعد انهيار الاتحاد السوفيتي اقتصرت على بعض الجوانب الدبلوماسية والزيارات الرسمية التي أجراها المخلوع "مبارك" إلى روسيا، لكنها لم تكن على ما كانت عليه خلال عهد الراحل "جمال عبد الناصر"، حيث زاد نفوذ واشنطن على القاهرة خلال العقدين الماضيين بشكل خاص، حتى بعد إندلاع ثورة 25 يناير وإسقاط نظام "مبارك" ما زالت القاهرة تحت عباءة أمريكا ولم تخرج منها بعد. السنوات الثلاث الماضية، شهدت تخبطا واضحا في سياسات القاهرة الخارجية، حيث طرأت بعض التوترات على علاقات الولاياتالمتحدةالأمريكية ومصر على إثر بعض الأحداث التي شهدتها القاهرة، لكن هذه التوترات لم تصل إلى حد القطيعة بين القاهرةوواشنطن، بل تراجعت بعض الشيء، وهو ما فتح الباب مجددا أمام عودة العلاقات المصرية الروسية، خاصة مع اتخاذ الولاياتالمتحدةالأمريكية بعض القرارات ضد القاهرة مثل إلغاء إرسال بعض المعدات العسكرية، وتجميد جزء من المساعدات التي تقدمها للقاهرة نتيجة وقوع بعض الأحداث السياسية في مصر. العلاقات المصرية الروسية، عاد الحديث عنها مرة أخرى خلال زيارة الرئيس الحالي "عبد الفتاح السيسي" إلى موسكو، حيث كان حينها يشغل منصب وزير الدفاع، والتقى بالرئيس الروسي "فلاديمير بوتين"، ليتم بعد ذلك الإعلان عن توقيع بعض الاتفاقيات العسكرية بين موسكووالقاهرة، فضلا عن التصريحات التي صدرت عن القيادة المصرية مؤخرا والتي تؤكد على انفتاح القاهرة على الجميع في علاقاتها الخارجية وأنها لن تقتصر على طرف واحد. خلال الأيام القليلة الماضية، أعلنت مصادر روسية أن الرئيس "فلاديمير بوتين" يعتزم زيارة القاهرة مطلع العام المقبل 2015، تلبية للدعوة التي وجهها له الرئيس "السيسي"، حيث سيكون لهذه الزيارة انعكسات قوية على توجهات القاهرة وسياساتها الخارجية، فضلا عن أنها سوف تحدد مستقبل علاقات القاهرةوواشنطن خلال السنوات المقبلة، أضف إلى ذلك أنها سوف تحسم الجدل الدائر حول من هو حليف مصر الخارجي خلال الفترة الراهنة؟. الشهور القليلة المقبلة سوف تحدد تحالفات مصر الخارجية، وتضع حدا للتساؤلات التي يتم طرحها الآن عن مدى قوة العلاقات بين القاهرةوموسكو؟، أو إلى أين ستتجه مصر هل نحو الحليف القديم روسيا أم الابقاء على حليفها الراهن الولاياتالمتحدةالأمريكية؟، بعض المؤشرات الراهنة توحي باضطراب العلاقات بين القاهرةوواشنطن، الأمر الذي يمهد الطريق لعودة العلاقات المصرية الروسية لسابق عهدها، لا سيما وأن موسكو عادت مجددا لتساهم في تنفيذ بعض المشروعات المصرية مثل تنمية محور قناة السويس الجديدة.