زار الرئيس المصري المشير عبد الفتاح السيسي روما، وعقد لقاءات رسمية مع رئيس الجمهورية الإيطالية ورئيس وجلس الوزراء، بالاضافة إلى هذه اللقاءات، عُقد لقاء في الفاتيكان بين الرئيس السيسي والحبر الأعظم فرانسيس الأول. كثيرة هي الملفات التي طرحت أثناء هذا اللقاء ومن أهمها؛ محاربة تنظيم "داعش"، القضية الفلسطينية وملف المسيحين في الشرق، ضمن هذا الاطار، لعله من المفيد الإضاءة على الدور الذي قد يلعبه الفاتيكان ضمن الجهود الرامية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية، وبالتالي قراءة العوامل التي تحدد أسس السياسة الخارجية للفاتيكان. يُعتبر العامل الديني من أهم العوامل التي تُحدد السياسة الخارجية للفاتيكان، كونها دولة الكرسي الرسولي التي تمثّل جميع الكاثوليك في العالم، هذا العامل رجّح كفة الميزان للصبغة الدينية والإنسانية على تلك السياسية في مواقف الفاتيكان من قضايا وأزمات منطقة الشرق الأوسط، فالفاتيكان يمتنع أو طُلب منه أن يمتنع عن ممارسة السياسة بشكل مباشر، لهذا السبب تُمارس الكنيسة الدين بعيدًا عن السياسة في اتخاذه المواقف من الحروب والأزمات. يؤكد التاريخ أن الفاتيكان لا يرسم سياسته بشكل ظرفي، لكن الأوضاع الراهنة التي تعصف بالعالم قد تُسرّع من الخطوات التنفيذية، وبالتالي تحتم الانتقال إلى استراتيجية، حيث يصبح الاحتواء حاجة مصيرية. إن مصالح وأولويات الكنيسة في الشرق الأوسط تُعتبر محورية في السياسة الخارجية للفاتيكان، كونها جزءًا من استراتيجيتها الوجودية، لهذا الأمر فُرض على الفاتيكان تغيير آلية العمل وطريقة التعامل مع هذه الملفات، تماشيًا لما تشهده المنطقة من أزمات تُهدد أمن المنطقة والوجود المسيحي في الشرق الأوسط. تعطي الكنيسة أولوية لملف المسيحيين في الشرق، وتعتبرهم أصحاب دور ورسالة، بل إن معادلة الدور والرسالة هذه مبنيّة على التالي: إن المسّ بالوجود المسيحي في الشرق هو تهديد للأمن القومي والوجود الكنسي في العالم، هذه المعادلة التي يتبناها الفاتيكان تدخل ضمن الإطار الديني للسياسة الخارجية. ساهم هذا البُعد الاستراتيجي للوجود المسيحي في الشرق في معارضة الكرسي الرسولي الحرب على العراق، ومعارضة مشروع تقسيم سورية، لأن في ذلك تهديداً للأمن القومي الفاتيكاني وللكنيسة الشرقية. لطالما اتخذ الفاتيكان موقفًا من الصراع العربي "الإسرائيلي". يمكن تلخيص هذا الموقف برفض العنف والدعوة إلى السلام، فالكرسي الرسولي حاول في جميع مواقفه أن يكون حياديًّا، فأوجد في ذلك تناقضًا مع معادلة "الدور والرسالة" للمسيحيين في الشرق الأوسط، فالاحتلال الصهيوني يُمارس كل أنواع الإرهاب والتعسف بحق الفلسطينيين (مسلمين ومسيحيين)، واستمرار الاحتلال وتهويد القدس يهددان الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، وتطبيقًا لمبدأ الحيادية اتخذ الفاتيكان مواقف مناهضة لكل الإجراءات التعسفية التي اتخذتها السلطات "الإسرائيلية" ضد الشعب الفلسطيني، وعبّر عن مساندة الفاتيكان للحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ولكن من دون اتخاذ مواقف تصعيدية ذات صبغة إنسانية بحق الاحتلال الصهيوني. يُعتبر ملف حوار الأديان والحوار مع الإسلام بشكل خاص من الملفات الهامة التي يهتم بها البابا "فرانسيس الأول"، خصوصاً مع تزايد القلق في أوروبا من الإرهاب "الإسلامي"، والذي يعتبره الساسة ورجال الدين في منطقة اليورو تهديدًا للهوية المسيحية في أوروبا. نعيش في الشرق أيضًا حاجة للحوار، حيث يُنتهك مبدأ التعايش الإسلامي المسيحي، وحيث يزداد التطرف والإرهاب باسم الدين وباسم الإسلام. كل هذه الملفات المطروحة تستوقفنا أمام عدة أسئلة متعلقة بالدور المقبل للفاتيكان والمرتبطة بشخصية البابا فرانسيس الأول: فهل البابا الثائر والمنتفض على الأعراف والتقاليد الخاصة بالكنيسة، سيثور أيضًا على الإمبريالية العالمية في سياسته الخارجية؟ وهل سيستطيع أب الفقراء والمحتاجين أن يقف بوجه الاحتلال "الإسرائيلي"، فارضًا السلام، ومطالبًا بعودة الحقوق لأهلها؟ وهل سيكون مبدأ فصل الدين عن السياسة عائقاً أمام الدور الأخلاقي السياسي الذي تننظره فلسطين من الفاتيكان؟