أول رد من «الأطباء» حول واقعة «عيادة قوص»: نناشد وسائل الإعلام بتحري الدقة في تناول المعلومات    البيت الأبيض ينفي وقوع شجار بين ماسك وبيسينت    مجزرة جديدة قرب مراكز المساعدات في غزة.. تفاصيل    رياضة ½ الليل| زيزو على الدكة.. الأهلي جاهز لباتشوكا.. البرونزية لفرنسا.. ونوران تهزم نور    المدينة المنورة تتأهب لاستقبال الحجاج المتعجلين بعد أداء مناسكهم    عمل سائق «توك توك» وفقد ابنه في حادث مفجع.. 23 معلومة عن إسماعيل الليثي    إلغاء حفل الفنان لؤي بالإسكندرية بسبب انقطاع الكهرباء    جولات ميدانية مفاجئة وإشادات وزارية بأداء المنشآت الصحية في المنوفية    بعد وفاة طفل في قنا بلدغة عقرب.. 6 نصائح وإسعافات سريعة لإبطال مفعول السم    الظروف الاقتصادية الصعبة وارتفاع الأسعار تحرم المصريين من الأضحية فى زمن الانقلاب    ريهام حجاج تؤدي مناسك الحج رفقة زوجها: "ربنا يكتبها لكل حد نفسه يروح"    الصحة الفلسطينية: مستشفيات غزة تواجه خطر التوقف خلال يومين بسبب نفاد الوقود    ننشر مواصفات امتحان التاريخ للثانوية العامة 2025    تعديلات تشريعية جديدة.. الدولة تعزز التمثيل النيابي للشباب والمرأة وذوي الهمم    مؤسسة أبو هشيمة عضو التحالف الوطني توزع لحوم الأضاحي بمحافظة بني سويف.. صور    الوفد النقابي في جنيف: مصر نموذج للدفاع عن كرامة العمال    نصائح لتجنب الإمساك خلال فترة العيد    تقرير: بايرن ميونخ يضغط على ميلان لضم لياو    العودة لباريس أو البقاء مع يوفنتوس.. كولو مواني يكشف عن فريقه في كأس العالم للأندية    المجلس الوطني الفلسطيني: إسرائيل حوّلت غزة إلى مقبرة جماعية    إعلام عبري: جثة السنوار في قبضة إسرائيل    أكلات عيد الأضحى.. طرق تحضير الكوارع وأشهى الأطعمة    في ثالث أيام العيد.. مدير معهد بحوث أمراض النباتات يتفقد محطة سدس    رونالدو يكشف: عملت مترجمًا ل ميسي!    إحياء سبع آلاف سنة    فضيلة الإمام الأكبر    إلهام شاهين من الساحل الشمالي.. «الله على جمالك يا مصر» | صور    غارة إسرائيلية على الشهابية جنوب لبنان دون إعلان رسمي عن المستهدف    براتب 10 آلاف جنيه.. الإعلان عن 90 وظيفة في مجال الوجبات السريعة    سحب 1.7 مليون بيضة من الأسواق في أمريكا (تفاصيل)    مى عز الدين تتألق في جلسة تصوير جديدة وتعلن عودتها للتفاعل مع جمهورها    هدف الزمالك.. خطوة واحدة تفصل زين الدين بلعيد عن الوكرة القطري    5 أيام يحرم صومها تعرف عليها من دار الإفتاء    «الحج دون تصريح».. ترحيل ومنع «المخالفين» من دخول السعودية لمدة 10 سنوات    تنسيق الجامعات 2025، قائمة الجامعات المعتمدة في مصر    فرحة العيد جوه النيل.. إقبال على الرحلات النيلية بكفر الشيخ ثالث أيام العيد    لماذا تتجدد الشكاوى من أسئلة امتحانات الثانوية العامة كل عام؟.. خبير يُجيب    حاول الإمساك ب"عجل" في الهرم فلقي مصرعه.. تفاصيل    تجهيز 100 وحدة رعاية أساسية في الدقهلية للاعتماد ضمن مؤشرات البنك الدولي    بقرار من رئيس جهاز المدينة ..إطلاق اسم سائق السيارة شهيد الشهامة على أحد شوارع العاشر من رمضان    196 ناديًا ومركز شباب تستقبل 454 ألف متردد خلال احتفالات عيد الأضحى بالمنيا    الداخلية تواصل تطوير شرطة النجدة لتحقيق الإنتقال الفورى وسرعة الإستجابة لبلاغات المواطنين وفحصها    لا يُعاني من إصابة عضلية.. أحمد حسن يكشف سبب غياب ياسر إبراهيم عن مران الأهلي    هل يجوز الاشتراك في الأضحية بعد ذبحها؟.. واقعة نادرة يكشف حكمها عالم أزهري    "سكاكين العيد".. حرب شوارع تنتهي بمقتل شاب في المحلة    أوكرانيا: ارتفاع عدد قتلى وجرحى الجيش الروسي إلى 996 ألفا و150 فردا    بين الحياة والموت.. الوضع الصحي لسيناتور كولومبي بعد تعرضه لإطلاق نار    منافذ أمان بالداخلية توفر لحوم عيد الأضحى بأسعار مخفضة.. صور    الكنيسة القبطية تحتفل ب"صلاة السجدة" في ختام الخماسين    العثور على جثة رضيعة داخل كيس أسود في قنا    محافظ أسيوط: لا تهاون مع مخالفات البناء خلال إجازة عيد الأضحى    أمين المجلس الأعلى للآثار يتفقد أعمال الحفائر بالأقصر    كامل الوزير يتابع حركة نقل ركاب القطارات ثالث أيام العيد، وهذا متوسط التأخيرات    أسعار الدولار اليوم الأحد 8 يونيو 2025    المواجهة الأولي بين رونالدو ويامال .. تعرف علي موعد مباراة البرتغال وإسبانيا بنهائي الأمم الأوروبية    استشهاد 11 شخصا وإصابة العشرات في قصف إسرائيلي قرب مركز توزيع مساعدات بغزة    من قلب الحرم.. الحجاج يعايدون أحبتهم برسائل من أطهر بقاع الأرض    النسوية الإسلامية «خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى» السيدة هاجر.. ومناسك الحج "128"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التأويل بين الحقيقة والتضليل
نشر في البديل يوم 01 - 11 - 2014

ما بين التمسك بظاهر النصوص، والتأويل الفاسد لها، جرت أنهار الدماء، وطارت الرءوس، وما احتمل السيل إلا غثاءً، وما زادت الشُّقة بين الناس إلا بُعدا، فلا السبيل استبان لهم لما تمسكوا بظاهر النص وادعوا التفسير، ولا هم عرفوا الجادة، حين زعموا يقينية التأويل، فما حفظوا للأمة عرُاها، ولا هم استوثقوا مما بين أيديهم، فكان الحال على ما نرى من الفرقة والتشرذم، ونبذ الاعتصام.
بدا التفسير بضوابطه قيدا على النص، وإطارا حاكما له، وسلطة قاهرة فوقه، فلقد احتجز النص احتجازا تاما في زمنه، ومنعه من مواكبة تفاعلات الواقع ومتغيراته، وبتعدد التفسيرات تعددت الأسيجة حول النص تحول بينه وأن يكون ملبيا لمتطلبات البشر كل وفق زمانه ومكانه، حتى دُعي إلى ترك التفاسير جملة؛ كونها عزلت الخلق عن النص، والأسوأ أنها (كهَّنت) فئة العاملين بها؛ فصاروا"أمّة من دون الناس" لا تفتح المغاليق إلا بهم.
والتأويل لغة هو تفعيل من آل يئول إلى كذا إذا صار إليه ، فالتأويل التصيير ، وأولته تأويلا إذا صيرته إليه، كذلك العاقبة تسمى تأويلا لأن الأمر يصير إليها، وتسمى حقيقة الشيء المخبر به تأويلا؛ لأن الأمر ينتهي إليه ، ومنه قوله تعالى " هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ …"(53) الأعراف.
ويحاول ( الجرجاني) التفريق بين كلا المفهومين- التفسير والتأويل- وفض الاشتباك الحادث فيما بينهما؛ فيذهب إلى "أن التأويل في الأصل هو الترجيع، وفي الشرع صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى يحتمله، إذا كان المحتمل الذي يراه موافقا بالكتاب والسنّة مثل قوله تعالى"يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ" إن أراد به إخراج الطير من البيضة كان تفسيرا، وإن أراد به إخراج المؤمن من الكافر، أو العالم من الجاهل كان تأويلا". كما يشترط في التأويل معرفة الأصول و معرفة الاستنباط من تلك الأصول بالقياس.
وقد رأى (ابن رشد) أن التأكيد على مراعاة اللغة العربية وأصولها أمر من الأهمية بمكان، وأوجب أن يكون التأويل غير مخل في ذلك بعادة لسان العرب في التجوز في تسمية الشيء بشبيهه، أو بسببه، أو لاحقه، أو مقارنه، أو غير ذلك من الأشياء التي عددت في تعريف أصناف الكلام المجازي، وكان لابد للتأويل من التكيف مع الضوابط المفروضة عليه و مسايرة التفاسير بالإضافة إليها في المعاني وعدم التناقض معها.
وإذا كان التفسير في التزامه بحرفية النص قد" ضيّق واسعا"؛ إذ تم إغفال حقيقة هامة، وهي أن النص ما هو إلا كيان لغوي، وأن التفسير ربما يحيله إلى طائفة من الأفكار تعتمد- في جوانبها- على طبيعة المفسر أو شخصيته العقلية، لكن هذه الإحالة مهما يكن حظها، يحسن أن تسلمنا- بطريقة ما- إلى اللغة( النص) لا أن تكون حاجزا عنه.
أما التأويل و الذي نظن أنه نشأ ابتداء على أساس من تعدد المعاني، وتنوع المفاهيم ،فأراد أن يزيح كل جامد قائم ؛ ليبني محله بقدر ما تسمح به اللغة،ولا يتناقض ومعطيات العلم ومستجداته، بناء عقلانيا ينفتح على أفق أرحب للرؤية وذي قابلية أوسع للمعقول.
ويقطع (محمد عابد الجابري) باختصاص التأويل عربيا وإسلاميا بالخطاب الديني فيقول" وإذا كان علماء أصول الفقه قد اهتموا أكثر من غيرهم بوضع قوانين لتفسير هذا الخطاب؛ فإن علماء الكلام قد اهتموا إلى جانب ذلك بوضع حدود للتأويل؛ وذلك بربطه بوجوه البيان؛ أي بأنواع العلاقة التي تقوم بين اللفظ والمعنى في الأساليب العربية" وهو يعني بذلك أن الاختلاف القائم بين المعتزلة وأهل السنة حول التأويل كان له ضابط واحد، هو ما تسمح به وجوه البيان فقط، مما جعلهما في موقف واحد تقريبا في مقابل تأويل آخر أحال النص القرآني إلى مجموعة من الرموز والإشارات تتضمن أفكارا ورؤى صادرة- في معظمها- عن الفلسفات القديمة كما هو الحال في " التأويل العرفاني الذي مارسه الشيعة والمتصوفة ومختلف التيارات الباطنية في الإسلام "، إلا أنه من هذه الناحية لم يكن بريئا تماما، فبحسب قوله أنه كانت هناك" آراء جاهزة يراد صرف المعنى إليها، وجعله ينطق بها، وواضح أن ما يجعل التأويل العرفاني تضمينا بهذا المعنى هو تحرره من قيد القرينة التي يلتزم بها التأويل البياني".
ولاشك لدينا أن اقتصار التأويل على الخطاب الديني – أمر مستغرب ؛ إذ أن كل نص يحمل في باطنه دواعي تأويله،ومسببات تمحيصه، وهي ذاتها عوامل بقائه وتجدده واستمراره، وإذا وجد نص لا ينطبق عليه ذلك، فهو نص ولد ميتا!
كما أن الإشارة إلى أن البيان لا يبدو كافيا لانفراد التأويل (المنضبط) بموقفه بعيدا عن خندق ( النصوصيين) هو أمر يشي بلزوم الشطط، والشطح الصوفية لكل تأويل معتبر، وهذا مما غريب بالطبع.
وإذا كان التفسير يقوم على مظنّة الانحياز للنص، ومحاولة تبريره، والعمل على تمرير ما يخالف – ظاهريا- المعقول فيه، ولو ب ( لي أعناق النصوص ) وتحميلها بأكثر مما تحتمل، إلا أن التأويل – في حقيقته- لا يتخندق هنا؛ لذلك فهو إلى النقد أقرب ، وللحجة العقلية ألزم!
ولذلك نقول أن التأويل يتطلب موقفا محايدا من النص – على صعوبة ذلك- وقد صار التأويل في زماننا هذا عنوانا على الانحياز ضد النص، فنحن إذن مع النص بين المنحازين له والمنحازين ضده في أسوأ حال!
وما زال السعي جادا لخلق نظرية عامة للتأويل تقف عند دلالة النص ورمزية العلامة وعلاقة النص بالكاتب والمتلقي ، واللغة بالعالم والحقيقة بالواقع والملفوظ بالموجود.
وما أحوجنا إلى التحرر من ربقة هذا الركام الذي حال بيننا وبين النص، بل طمس معالمه، بشروح تلو شروح وتفسيرات تغلق المعاني وتحجر الأطر، ولا جَنَى بل جناية على التراث والناس في آن.
كما أن التأويل لا يجب أن يكون فرجة للولوج إلى هدم النصوص والزراية بها إذا هو لم يعتمد منهجا واضحا يقوم على العلم والتحري، والتدقيق والبحث في كل ما واكب النص من ظروف وملابسات تكشف عن تفاصيله، وتثري شموليته، وتفتح آفاقه نحو تعدد الرؤى، بما يسمح له بقابلية أكبر في التعاطي مع الواقع ومتغيراته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.