لم تكن هذه هى المرة الأولى ولانعتقد أنها ستكون الأخيرة طالما ظل سائداً فكر الأسياد والعبيد يحكمنا منذ زمن التكايا والأسبلة التي تحرر منها المواطن المصري بفعل ثورة يوليو التي أسست لعدالة إجتماعية سليمة جعلت للتمييز والتفوق الكلمة العليا دون تفرقة بين ابن الوزير أو الغفير وبموت الزعيم عادت الأفكار الرجعية تتصدر المشهد بكل قوة ,فقبيل ثورة يناير انتحر الشاب المتميز عبد الحميد شتا من أعلى كوبري قصر النيل فور خروجه من وزارة الخارجية مهزوم ,مجروح لحرمانه من العمل الدبلوماسي رغم استحقاقه عن جدارة لأنه غير لائق إجتماعياً!!. كان هذا الإجراء وغيره الكثير مما هو فوق الخيال يتم في زمن فساد مبارك ورجاله من قطاع الأعمال لاستمرار سياسة الواسطة والرشوة والمحسوبية على حساب المتميزين من أصحاب الفرص الضائعة ,كي تظل الهوه السحيقة فيزداد الغني ثراءً ويزداد الفقير فقراً ومرضاً وانتحاراً ,لكن أن يظل هذا المعتقد سائداً في اختيار الوظائف المرموقة بعد ثورتين عظيمتين قامتا من أجل العدل والمساواة والحرية فهذا من غير المفهوم ,يزداد الأمر سوءاً وتعقيدأ حين يكون مصدر العدل هو نفسه من يضع شروطاً ظالمة مجحفة لأبناء الوطن الواحد . قرار مجلس القضاء الأعلى باستبعاد المستحقين من التعيين بالنيابة العامة لعدم حصول والديهم على مؤهل عالٍ قرار غريب وصادم أولاً :لأن العدل يقتضي المساواة بين الناس ليس على أساس اللون أو الجنس أو التصنيف الطبقي وإنما بمعايير الكفاءة والجدارة وثانياً:لأنه من المفترض أن تتوارى نبرة الاستعلاء في ظل الثورات لتحل محلها قيم أخرى أكثر اتساقاً مع ما يموج به الوطن من تغيرات سالت من أجل اكتسابها وسيادتها دماء غالية . نعلم أن مجلس القضاء الأعلى يملك قراره فى اختيار من تنطبق عليهم شروطه ثم ترسل قرارات التعيين لرئيس الجمهورية للتصديق عليها طبقاَ للدستور ,لكن أليس من حق رئيس الجمهورية مناقشة أو مراجعة قرارات من شأنها الإضرار بمصالح شريحة من أبناء شعبه تم استبعادهم رغم استحقاقهم للوظيفة بدون وجه حق ؟ثم كيف يمكن أن يستقيم ميزان العدل في ظل تفعيل الشروط على دفعات 2010 ،2011 ثم إلغائها للدفعات الجديدة؟. ورغم أننا ضد التفريق بين أبناء الوطن الواحد على أساس طبقي أو ديني إلا أنه كان يمكن تقبل هذا الشرط ,إذا كان المجتمع بأثره يملك من التقدم والرفاهية ما يتيح للجميع فرص المساواة الحقيقية للتعليم ,أما وما زلنا نتحدث عن نسب التسرب من التعليم وزيادة أعداد الأمية التي بلغت 28% من تعداد السكان في ظل حديث العالم عن محو الأمية الرقمية والمعلوماتية فنعتقد أن وضع الشروط الطبقية لشغل الوظائف المرموقة أمر لا يتسق مع التركيبة الفقيرة للسواد الأعظم من المجتمع المصري ,وحتى لا ننسى فإن المفكرين والمصلحين ورجال الدين والعظماء الذين صنعوا تاريخ مصر بل ومن داخل الهيئة القضائية ذاتها كانوا يندرجون لأصول ريفية بسيطة ,كما لا يمكن أن ننسى أن الذي شيد مصر القيمة والمكانة الدولية والإقليمية كان أبوه مجرد موظف بسيط في البوستة وكان اسمه (جمال عبد الناصر).