يتابع خبراء إسرائيليون باهتمام مدى التزام جبهة النصرة الفرع الرسمي لشبكة القاعدة في سوريا بعدم التعرض لأهداف إسرائيلية رغم تواجد مجموعات مقاتلة من الجبهة على مقربة من مواقع جيش الاحتلال الصهيوني ويتحدث هؤلاء عن الخيارات التي باتت أمام تل أبيب في التعامل مع واقع عسكري وأمني جديد تشكل في منطقة فصل القوات على الجبهة للمرة الأولى منذ حرب تشرين التي مرت ذكراها قبل أيام. أولاً: توضح التقارير الإسرائيلية المتداولة أن حوالي ألف وستمائة عنصر مسلح ممن يدعون بالمعتدلين أي المنتمين لكتائب ما يسمى بالجيش الحر قد تلقوا العلاج ومن ثم المساعدة من الجانب الإسرائيلي وهذا ما أورده الكاتب والمعلق الإسرائيلي أيهود إيعاري في مقال نشر على موقع معهد واشنطن مؤخرا وهذه المصطلحات " المهذبة " تقود ببساطة إلى فرضية " التجنيد" التعبير التقني المستخدم من المخابرات الإسرائيلية. بالطبع لا تقتصر عملية الدعم الإسرائيلية على القيام بالمهام الإسعافية للمحاربين الذين يستهدفون مواقع الجيش العربي السوري على الجانب الآخر من خط الفصل فالتدخلات الإسرائيلية الهادفة لحماية الإرهابيين ومسلحي التمرد لم تتوقف منذ اندلاع المعارك في الجنوب السوري وقامت المدفعية والطائرات الإسرائيلية مرارا بضرب مواقع للجيش العربي السوري بهدف تأمين الحماية للمسلحين ويقول إيعاري: "تحافظ بعض جماعات الثوار على اتصال دائم مع قوات "جيش الدفاع الإسرائيلي"، بما في ذلك عقد اجتماعات سرية متكررة – جرت في طبريا، وفقاً للتقارير" ويقر الكتاب الصهاينة الذين تابعوا الموضوع بتقديم إسرائيل كميات من الأسلحة لهؤلاء "الثوار" الذين هم بالتمام والكمال "مسلحو المعارضة المعتدلة" الذين تحدث عنهم الرئيس الأميركي باراك أوباما وتفاوضت إدارته مع الحكومة التركية لتدريبهم وسبق له التصريح بأنه اعتمد المملكة السعودية لتنظيم تدريبهم حيث ترعى المعاهد الوهابية تعميم ثقافة "الاعتدال" في المنطقة والعالم. ثانياً: تسعى إسرائيل بواسطة الجماعات المسلحة العميلة إلى الدخول مباشرة للعمق السوري وتتبنى تصورا حول فرص مهاجمة دمشق وريفها من جبهة الجنوب بعد إنجاز الربط العسكري بين درعا والقنيطرة كما يقول إيعاري الذي يعكس رغبة تل أبيب بإقناع الإدارة الأميركية برعاية تعاون إسرائيلي أردني لتمكين الجماعات العميلة ومنها جبهة النصرة من إحكام السيطرة جنوبا واختبار فرص القيام بعمليات هجومية واسعة تهدد دمشق وريفها وبمناسبة الكلام عن مسلحي القاعدة تسقط فرضية راجت لفترة غير قليلة وهي أن انتشار القاعدة قد يكون عاملا رادعا للخطط الأميركية الصهيونية ضد محور المقاومة فقد تمكنت إسرائيل والولاياتالمتحدة بمعونة المملكة السعودية وتركيا وقطر من إنتاج أجيال جديدة من التكفيريين تتمتع بالقابلية الكافية لإقامة علاقة مع إسرائيل تحت راياتها السوداء. وتعتبر إسرائيل في هذا المجال أن مثل ذلك التعاون يستحق أن يحظى بحصة رئيسية من موازنة التمويل الأميركية (خمسمائة مليون دولار) التي أقرت مؤخرا لتدريب وإعداد مجموعات جديدة من المرتزقة والمتعاملين مع الموساد. يجاهر الصهاينة بفرص التعاون مع القاعدة التي لا تدرج مقاتلة إسرائيل ضمن أولوياتها وتركز جهودها ضد الدولة السورية ومحور المقاومة في المنطقة بينما بات شائعا في البلاد العربية معنى الاعتدال في اللغة الأميركية الذي ليس سوى الرضوخ لفكرة التعامل مع إسرائيل والانخراط في مشاريع الهيمنة الاستعمارية. ثالثاً: تقدم الدعاية الإسرائيلية مشروع الحزام الجنوبي على انه الوسيلة المتاحة لحماية امن الكيان من ارتدادات حرب طويلة على الأرض السورية والحقيقة هي أن الولاياتالمتحدة وإسرائيل وحكومات قطر والسعودية وتركيا هم الذين يعملون لإطالة أمد تلك الحرب بهدف استنزاف الدولة الوطنية السورية وتغيير البيئة الإستراتيجية التي أفضت إلى خسارة إسرائيل لهيبة الردع في حروبها الأخيرة ضد لبنان وغزة. سبق لإسرائيل أن استخدمت التبريرات نفسها لتغطية إقامة شريط العملاء في لبنان الجنوبي والذي أعطته بداية تسمية "دولة لبنان الحر" التي دامت لأكثر من عشرين عاما أتاحت خلالها للكيان الصهيوني فرص التدخل العسكري والمخابراتي المباشر في لبنان إلى أن تمكنت المقاومة اللبنانية من كنس تلك المنظومة العميلة وإلحاق الهزيمة الساحقة بالكيان الصهيوني. تحويل التهديد إلى فرصة هو الخيار الأمثل للتعامل مع هذا الخطر الجدي والذي لا ينبغي التساهل بوجوده واحتمالات تفاقمه وينبغي الالتفات إلى أن ما كان شكوكا حول احتمالات ارتباط الإرهاب التكفيري بإسرائيل بات اليوم حقيقة يمكن البناء عليها وهي تكشف جوهر فكر القاعدة الذرائعي وارتباط قياداتها بالمشغل الاستعماري وأدواته الإقليمية.