يأخذ مظهره ومعه موسيقاه شكلا بسيطا في سياق الحداثة .. ليفاجئك بعمق وراء خطواته واختياراته يلمع في حديثه ، بقصد أو دون قصد جمع بين الشتاتين الأصالة والحداثة ليخرج بمذاق جديد .. فهو عاشق لموسيقى "الفولك" التي يراها تأخذ مجرى للعالم الداخلي فتعبر عنه ببساطة . ولد "جوهر" في بلده الأم تونس لأسرة تدرس فيها الأم الأدب العربي وتعشق الموسيقى والشعر وأب مسرحي مثقف ، فلم تقتصر موهبته على الغناء وإنما امتدت للكتابة والتمثيل والموسيقى لكن الوسيقى والغناء من نجحا في اجتذابه لأرضهما ، وأخيرا صدر ألبومه الثاني الجديد" قِبلة وقُبلة " .. الإسم المفاجأة الذي يجسد مزيجه الفني الجذاب المتميزالذي قد يبدو متناقضا لكنه في نظره شديد الانسجام .. مع "جوهر باسطي "المغني التونسي الشاب كان ل " البديل " هذا اللقاء الخاص .. * لنتعرف معك كيف كانت بدايتك الفنية ؟ أول خطواتي الفنية ربما كانت محاولاتي الأولى للكتابة ، عندما كتبت شعرا لأول مرة في مراهقتي ، أما المسرح فقد بدأ بمسرح الجامعة وأتذكر أن المسرحية الأولى كانت " البوتقة " لآرثر ميللر وكنت الشخصية الرئيسية ، وقتها سارت البروفات جيدا لكن عندما وجدت نفسي في مواجهة الجمهور تخيلت أني لن أعود أبدا للمسرح في الأيام القادمة – ويضيف ضاحكا – كنت خائفا لكني حولت خوفي إلى غضب تجاه كل شخص من البداية للنهاية ، حتى أن المخرج نفسه فوجىء بهذه النقلة وقال " لو كنت تستطيع أن تؤدي بهذا الشكل كل ليلة سيكون رائعا " . * اشتهرت بالموسيقى الشعبية أوالفولكلورية، فماذا يمثل لك هذا اللون الموسيقي ؟ لن أقول أن موسيقاي فولكلورية أو شعبية،إنها فقط مستوحاة من هذه الموسيقى وأود تسميتها موسيقى "الفولك" ،وقد بدأ الفولك بمغنين محتجين في الغرب ثم استمر بكتابة أكثر تجريدية أو شعرية من قبل مؤلفي الأغاني ، وبالنسبة لي هو الطريق الذي يستطيع الشخص التعبير عن نفسه به بشكل بسيط بصوت ونص و آلة ، فن خلق عالم شخصي بهذه العناصر الثلاث ، هو مزيج من التعقيد والبساطة ، وفي هذا الصدد أعتبر دحمان حراشي والشيخ إمام وأبو بكر تراوري مغنيي فولك لأن الفولك بالنسبة لي فن عالمي . * لديك مزيج فني ما بين الغناء والموسيقى والكتابة والتمثيل ، فكيف تكون هذا المزيج ، وفي أي نوع فني تجد نفسك أكثر ؟ كما قلت فأنا بدأت أولا بالمسرح وبالتوازي بدأت كتابة الأغاني مع بعض الحراك في بعض المناطق الفرنسية التي كنت أعيش فيها ، عشقي لكتابة الأغاني نما بسرعة كبيرة ، لكن الموسيقى اليوم هي نشاطي الأساسي وأنا سعيد بذلك ، وعادة ما يسألني الناس عن نشاطي المفضل بين الاثنين ، فلا أستطيع فعلا القول ، الموسيقى أكثر شخصية وحميمية في نفس الوقت ، حيث أنك توجه بشكل ما شعورك الشخصي للناس والذي ليس دائما شديد البساطة خاصة عندما تتعامل كفنان شاب مع مختصين يتكلمون بشكل تقني عن أغانيك ، هذا يمكن أن يكون تجربة متعبة جدا ، على كل حال في بعض الأحيان يكون لدي انطباع أن المسرح النشاط الأكثر صحة ( مبتسما ) لكن لنقل أنه رائع عندما تستطيع أن تقوم بعملين في نفس الوقت ، وهي الحالة التي عايشتها في بلدي مع لطفي عاشور وأنيسة داوود في " قصة حب " أو " ماكبث – ليلى وبن " . *ألبومك الأخير بعنوان "قِبلة وقُبلة"..كيف جمعت النقيضين في انسجام ؟ وأي فلسفة يتبعها فنك ؟ في بعض الأحيان لا تستطيع أن تفسر لماذا تحب أو تختار عنوان ، والعنوان يجب أن يكون موسيقي .. أن يرن ، وأن يعكس جو العمل ، وينمي الفضول إن أمكن ،وفي "قبلة وقبلة" وجدنا رابطة بين الشهوة والتصوف وكلاهما أصيل في ثقافتنا. حتى أن مدخلي إلى الموسيقى ببساطة صوفي في الطريقة التي أدركها بها كشيء مقدس ، فأنا لم أسع أبدا لتقديم "ترفيه" وهي الكلمة التي يستخدمها الأمريكان تقريبا عن كل مجالات الفنون ، الكلمة التي أصبحت أكرهها لأنها تقلل من محاولات الارتقاء إلى مجرد " ترفيه " وبهذا الشكل فهو جانب صوفي في رؤيتي للفن ، ويضيف ضاحكا ..على الأقل الفن الخاص بي ، أما بالنسبة للجزء الحسي فلا أرى أنه متعارض مع الصوفية حيث الارتقاء يبدأ من الجسد قبل الصعود لأعلى . * كيف كان تأثير المغني الإنجليزي الراحل " نيك دريك " في طريقك الفني ؟ أول مرة استمعت فيها إليه كانت نوع من الإبادة لكل موسيقى أخرى حولي ، كلنا مر باختبار هذا الشعور ، عند الاستماع لشيء ما ، لكن مع "نيك دريك" ، كان كأن أنا غير زمانية بدأت في الحديث معي ، كان نوع غير معرف وغريب على مدار حياته ، فعلى مدار الستينات والسبعينات كان الكل مشغول في لعب أغاني الهيبي والرقص واللعب على الجيتار الإلكتروني حتى الجنون ، بينما كان هو مشغولا بكتابة الأغاني الشعرية الرقيقة والتي لم يكن حتى يستطيع أداءهاعلى المسرح حيث كان خجولا جدا ،عدد قليل من الناس من انتبه له ثم مات صغيرا حزينا ، ولم يكن يعرف أن أغانيه ستكون نقطة تحول في تاريخ موسيقى الفولك ، فموسيقيا هو فتح مسارا حقيقيا لتعلم طريقة تقديم أغانيه والتي كانت مدرستي الحقيقية . *أول ألبوماتك كان بالإنجليزية بينما تغني الفولكلور وموسيقاك تبحث عن الجذور بأسلوب جديد .. أهي محاولة للجمع بين الأصالة والمعاصرة ؟ الطريقة التي يمكن أن أشرح بها سبب اختياري لهذا النوع من الموسيقى بسيطة جدا ، لقد كنت من معجبي موسيقى الفولك الأنجلو سكوسنية ، والتي تلقيتها من مغنيين إنجليز مثل "نيك دريك" فكانت أول ألبوماتي باللغة الإنجليزية ، بعدها رجعت خطوة للوراء وسألت نفسي لماذا غنيت بالإنجليزية ولماذا يفعل البعض ذلك ؟ مما ولد الكثير من الأسئلة والإجابات وأدركت أنني لم أظهر لغتي الخاصة إلا مع الأكاديميين الذين يدرسون الموسيقى العربية ، وحاربت ضد هذه الفكرة بنفسي للغناء باللغة العربية بالطريقة التي أعرف بها الغناء ، التي تختلف كثيرا عن طريقة الغناء العربي المعتادة لذا فقد استمريت في كتابة أغاني الفولك في ألبوماتي التالية لكني كتبت بلغتي الخاصة مما أعطى المزيج الذي يمكنك الشعور به ، وهو النتيجة الطبيعية لرحلة شخصية أتت بهذا المزيج . *ألا ترى أن محاولة الجمع بين الأصالة والمعاصرة قد يفقد أحدهما الآخر ؟ هذا يتوقف على كيفية إتمام ذلك ، و خاصة على درجة " العفوية " لكيفية الوصول إلى مثل هذا المزيج ، فأنا لا أحب الموسيقى التي يكون وراءها رغبة قسرية أو إرادة لمزج أو خلط الأشياء فيها ، والموسيقى تسمي ذلك " الانصهار " ، ولكني أؤمن بالموسيقى العالمية التي هي أبعد عن هذه التصنيفات عندما تكون حقيقية وعفوية ، فعندما يلتقط "أنور براهم "العود و"جون سورمان" الكلارينيت و يلعبان معا فنحن لا نتحدث عن مزيج من الأنواع نحن عنا نتحدث عن موسيقى معاصرة جميلة ، متجذرة في التقاليد والتطلع إلى المستقبل ، وعلى أية حال فأنا بصراحة لا أستطيع أن أدعي المزج بين الكلاسيكية والحداثة، فلست بهذه القوة التقنية والموسيقية ، أنا فقط أكتب الأغاني التي أسمعها داخلي ، دون الأخذ في الاعتبار تعقيدات موسيقية أو مزج وغير ذلك – مضيفا بابتسامة – والذي هو بالتأكيد ليس مجالي . *ما رأيك في الفرق المستقلة، وهل تراها قادرة على إثبات وجودها وتحقيق الانتشار الكافي ؟ لدينا فرق رائعة مستقلة في العالم العربي اليوم ، وأنا سعيد جدا و فخور بأن أكون جزءا من هذه الأسرة من الموسيقيين العرب والبدء في السفر للأداء للجمهور العربي ،وبالطبع أعتقد أنهم قادرون على كسب المزيد من الأرض و المزيد و من الجماهير، فمعظم الشباب الصغير لا يمكن ان يستمر في الاستماع إلى الأغاني المملة على وسائل الإعلام الرئيسية ، أغان لا تعكس تعقيدهم ولا مصادرهم الموسيقية الحديثة ، وأرى أن دائرة الموسيقى المستقلة العربية سوف تشهد تطورا وآمل أننا سنرى المزيد من الإشراق لافتتاح هذا النوع من الموسيقى أي الموسيقى المستقلة ، وعلى هذا النحو فسوف تظل أقل تكلفة اقتصادية من التيار الرئيسي ، فهكذا تسير الأمور في كل مكان … برغم أن في أوروبا وغيرها اتسعت الدائرة بالفعل بما يكفي وبشكل حقيقي يمكن الكثير من الناس ( الفنانين ، الوكلاء ، المزعين ، إلخ) للعيش من الموسيقى المستقلة ، وهو الحال الذي لم يصل إليه العالم العربي بعد ؛ وربما ستتطور الأمور بطريقة مختلفة عن المناطق الأخرى في العالم لكنها بالتأكيد سوف تتطور. *هل تعتبر أن جمهورك متنوع الفئات والجنسيات أم أن فنك موجه لفئة بعينها ؟ ليس لدي فكرة فأنا لا يمكن أن أختار جمهوري ،إلا أن جمهور حفلاتنا من أعمار ومناطق مختلفة، القاسم المشترك بينهم ربما يتمثل في الحساسية تجاه هذا النوع من الموسيقى ، (ويضيف ضاحكا ) فعشاق "سيلين ديون" وعروض الغناء كبيرة بالطبع مروا من طريقهم . *ماذا عن مشاريعك الفنية القادمة ؟ أحضرللمهرجان الموسيقي " ووميكس " المقبل في سانتياجو، حيث سأتحدث من وجهة نظري عن الاشتباك في الفن ، كما نعد لبعض الأغاني الجديدة وفي الوقت نفسه نعد لجولة جديدة . وخلاف ذلك فإن شركائي التونسيين سوف يعدون لفيلم في الأشهر المقبلة ، وآمل أن أتمكن من انتزاع بعض الوقت والذهاب لمساعدتهم مازحا – بهتاف حماسي .