جلس محمد خليفة على ضفة القنال ناظراً إلى السفن العابرة والمياه، يتذكر أيام الماضي حين دافع عن تلك الرمال أمامه والمجرى الملاحي.. حين دافع تراب هذا الوطن وأشار باصبعه ناحية منطقة معدية رقم 6 قائلاً: من هنا عبرت القنال إلى الشرق، كنت المدني الوحيد الذي عبر مع القوات المسلحة، وتحديداً اللواء 120 مشاة، وعدت بثلاثة أسرى، بينما كنت قد أسرت إبان حرب الإستنزاف 4 آخرين". لمعت عيناه كأن شريط عملياته الحافل يمر أمام عينيه، واستمر في الكلام " لقد عبرت 4 مرات، ثلاثة منهن في الاستننزاف، تخطفت العدو كالطيور الجارحة وأوجعتهم بالضربات المفاجئة، كأن هذا ما ولدت لأفعله.. أدافع عن وطني منذ وجود القوات الإنجليزية في إقليم القنال، ولقبوني باسم شزام". "شزام" الذى قام بالعديد من العمليات، ونال لقب قائد رغم كونه متطوعاً مدنيًا، كان أحد مدربي القوات الخاصة المصرية قبل معركة أكتوبر، وشارك في العديد من العمليات مع القوات الخاصة المصرية والمجموعة 39 قتال، ويحمل شهادة عبور وشهادة من المجموعة بأنه شارك بعمليات معها وأكثر من 65 نوط عسكري، حتى أطلقوا عليه لقباً جديداً هو الكوماندوز. وكفاءته جعلت كل القادة العسكريين يبحثون عنه حين تصدر الأوامر لتنفيذ مهام خلف خطوط العدو. كما حدث صباح يوم التاسع من أكتوبر عام 1973 حيث صدرت الأوامر بضرورة إسقاط موقع للأعداء داخل جبل المر، فبحث عنه القائد محمد الفاتح مع ضابط آخر وأعطاه طلقة صاروخية "بلاند سي ." حين وصل كانت المعنويات محطمة، ولم تكن الجنود تستطيع دخول الجبل، ليفاجأ الحضور ب"رتل" من الدبابات المعادية تحاول تطويقهم، وتنشب المعركة فيقوم أحد الضباط بإطلاق قذيفة الآر بي جي الأخيرة لدى المجموعة، لكنها تخطئ هدفها وتصيب الرمال بجوار الدبابات. ليعد شزام طلقته الصاروخية ويتحكم بها ويصطاد الدبابة الأولى في الصف لتنفجر في عدة دبابات أخرى، ويقوم الأداء بتسليم أنفسهم، ويفتح الجبل الذي سمي فيما بعد بجبل الفاتح. يذكر شزام حين عبر وحيداً أيام حرب الاستنزاف سعياً وراء طيار إسرائيلي احترقت طائرته في أجواء الإسماعيليةواقتفى أثره حتى وصل له في عمق سيناء، وقام بتكبيله ليتفاجأ بقوة إسرائيلية تبحث عن الطيار الذي سقط بمظلته في أرض سيناء. يقول شزام: أخذت ساتراً وتركتهم يفتشون المنطقة بحثاً عنه، وحين يأسوا وهموا بالمغادرة، فجرتهم بإلقاء قنبلة يدوية على سيارتهم، فاحترقوا، وقمت بحمل الطيار على كتفي والسير في اتجاه القنال، ثم السير على الساحل حتى وصلت أمام مبنى الإرشاد الخاص بقناة السويس طلباً للنجدة. يؤكد شزام أن القوات المصرية كانت وحوشاً لا تخشى إلا الله فكلها صنعت المعجزات، ويذكر يوم كان بمنطقه تبة الموت بسيناء، ودخل ليجد ثلاثة إسرائيليين كبل بعضهم في بعض وربطهم في وسطه ورقبته وترك مسافة، وأجبرهم على السير أمامه إلى ضفة القنال والسباحة وصولاً إلى الغرب وقيادة المخابرات في ذلك الوقت، ليتعجب ضباط المكتب من أسر ثلاثة جنود بهذا الشكل. وفى يوم السادس من أكتوبر نفسه كانت مهمة شزام مساندة وتقديم الدعم للقوات العابرة، وصدرت الأوامر بإسقاط موقع حصين للقوات الإسرائيلية بمنطقه الفردان، ولم تستطع الطائرات نسفه، وما أتى الليل حتى كان شزام مع مجموعة على التبة المرتفعة المقابلة للموقع يحملون جراكن البنزين وأفرغوها في هوايات الموقع الحصين، وما إن عادوا حتى استهدفت المدفعية المصرية الموقع، ليحترق بمن فيه. ينهي البطل حديثه قائلاً: ضاعت الكثير من حكايات التاريخ.. أهملونا حتى ضاع التاريخ ولم يسجل ، يهز رأسه ثم يقول: لله در هذه الأيام، تركت أبطال بحق مهملين واختزل التاريخ لتلميع أشخاص بعينهم. وكتبوا ما شاءوا وتركوا ما شاءوا.